رؤية النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين .
اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، واجعل أعمالنا ونياتنا خالصة لوجهك الكريم، وارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأجرنا من نار الجحيم يا رب العالمين .
لقد أنْعمَ اللهُ تعالى علينا بأن جعلنا مِن أُمَّةِ هذا النبيِّ العظيمِ الذي جعلَهُ اللهُ أفضلَ الأنبياءِ وأعلاهُم درجةً وجعلَ له مزايا كثيرة، وخصَّهُ بأُمورٍ ليست لِغيرِهِ مِن الأنبياء، منها أنَّ مَن رآهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في المنامِ فهيَ بِشارَةٌ له بأنْ يموتَ على الإيمان، ويكون قد رأى رسولَ اللهِ حقّاً فالشّيطانُ لا يأتي في المنامِ بِصورَةِ خاتِمِ الأنبياء عليه الصلاة والسلام
وقد روى البخاريُّ في صحيحهِ مِن حديثِ قُتادةَ أن رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: " مَن رآني في المنام فقد رأى الحقَّ فإنَّ الشَّيطانَ لا يتزيّا بي " أي أن مَن رأى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم على صورَتِهِ الأصلِيَّةِ فقد رأى خاتم النبيّين، وذلك لأنَّ الشيطانَ لم يُقَدِّرْهُ اللهُ على أن يأتي بصورَةِ رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فلا ينبغي أن يَشُكَّ الذي رأى في منامِهِ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم هل هو رسولُ اللهِ أم شيطانٌ تمثَّلَ بصورَتِه
فمَن رآهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم بالصِّفَةِ التي وردَتْ صحَّت رؤياهُ وله البُشرى وإن كان على غيرِ صورَتِهِ الأصلية، ولكنَّ الأقوى أن يراهُ بصِفَتِه الأصلية التي وردت في الأخبار
وفي البخاري مِن حديثِ أبي هريرةَ أن رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: " مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة "
وبيانُ ذلك أنَّ رؤيا النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في المنامِ فيها بُشرى عظيمةٌ للرّائي، وهي أنه لا بُدَّ أن يراهُ في اليقظةِ حتى لو كان حينَ رؤياهُ لرسولِ اللهِ على غيرِ دينِ الإسلامِ فإنه لا بُدَّ أن يُسلِمَ ويرى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقظةً، فهنيئاً لِمَن رأى خيرَ خَلْقِ الله محمدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في منامِهِ مرَّةً أو أكثرَ لأنَّ في ذلكَ ضماناً له أنه يموتُ على الإيمان على الإسلام، وأنه يُحشَرُ يومَ القيامَةِ مع المؤمنين
وَرُوِيَ أن رجلاً من المسلمين في البصرَةِ كان يصنَعُ الطّعامَ ويُطعِمُهُ للفُقراءِ والمساكين في ذكرى مولِدِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن كُلِّ سنة، وكان يَسْكُنُ بِجوارِهِ رجلٌ يهوديٌّ وزوجتُه، فقالت هذه المرأةُ لزوجِها: ما بالُ جارنا المسلمُ يُطعمُ الطّعامَ في مثلِ هذا اليومِ مِن كُلِّ سنة ؟ فقال لها: يَزْعُمُ أن نبِيَّهُ قد وُلِدَ فيه، فلما نامتْ ليلتَها تلك رأتْ في منامِها جَمْعاً بينَهُم رجلاً كثيرَ الأنوار، فقالت لهم: مَن هذا كثيرُ الأنوار، فقالوا لها إنه النبيُّ العرَبِيُّ المختار، فقالت أيُكَلِّمُني إذا كلَّمْتُه، فقالوا: إنه ليس بِمُتَجبِّرٍ ولا مُتَكَبِّر، قالت فكلَّمني بِلينٍ فقُلتُ له: تُكَلِّمُني بِلينٍ وأنا على غيرِ دينِك، فقال لها: قد عَلِمْتُ أن اللهَ سَيهديكِ إلى الإسلام، فقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فلما استَيْقظت دخلتْ في الإسلام فقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقامتْ فوجدت زوجَها يصنَعُ الطّعام، فقالت له: أراكَ في هِمَّةٍ عالِية، فقال لها: للذي أسْلَمْتِ على يدَيْهِ البارِحة، أسلَمْتُ أنا على يدَيْهِ البارِحة .
فمن رأى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في منامِهِ فتلكَ بُشرى له بأن يموتَ على الإسلامِ ويرى رسولَ اللهِ خيرَ الأنامِ لقولِه صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: " مِن رآني في المَنام فسيراني في اليقظة "قال بعضُ العلماء :يعني باليقظة أي الآخِرة، وهذا التَّفسيرُ لم يُوافِق عليه كثيرٌ مِن العلماءِ فقالوا: رُؤيَتُهُ عليه الصلاة والسلام في الآخرةِ تحصُلُ لِمَن ماتَ على دينِهِ إن كان رآهُ في الدُنيا في المنامِ وإن لم يكُن رآهُ في المنام، فالمؤمِنُ لا بُدَّ أن يرى رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الآخرةِ يقظةً لأنه عليه الصلاة والسلام يكون يومَ القيامَةِ عندَ حَوْضِهِ لأن كُلَّ أُمَّةٍ تشرَبُ مِن حوضِ نبيِّها فهناك يراهُ مَن كتبَ اللهُ له النَّجاةَ سواءٌ كان قد رأى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قبلها في المنامِ أو لا .
لذلك اختارَ أكثرُ العلماءِ وهو الأرجحُ أنَّ هذه الرؤيا التي ذكرها النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في حديثِ البخاريِّ المذكورِ آنِفاً تكونُ في الدُّنيا، فهو يراه (أي يرى النبيَّ) قبل أن يُفارِقَ دنياهُ مِن غيرِ أن يخرجَ النبيُّ مِن قبرِهِ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يخرجُ مِن قبرِهِ إلى يومِ البعث، وإنما يُكشَفُ له قبل موتِهِ أي الذي كان قد رأى رسولَ اللهِ في منامِه، يُكشَفُ له عند موتِهِ فتصيرُ هذه الجِبالُ والحواجِزُ له كالبَلّورِ بإذنِ اللهِ فيرى رسولَ اللهِ في قبرِه، فَتِلكَ هي البُشرى التي ذكرها النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِمَن رآهُ في منامِه
وقد ورد بالإسنادِ المُتَّصِلِ أنَّ رجلاً كان في عصرِ السَّلَفِ أي في وقتِ قريبٍ مِن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم وذلك بعدَ نَحْوِ مائةٍ وخمسينَ سنة، اسمه الحسن بن حيّ، هذا كان مِن العُلماءِ العامِلينَ مِن أهلِ الحديثِ الأتقِياء، وله أَخٌ مِثلُه، هذا الحسن بن حيّ لَمّا كان على فِراشِ الموتِ سَمِعَهُ أخوهُ يقول: "مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " النساء فقال له: يا أخي تتلو تِلاوَةً أم ماذا؟ قال: لا، بل أرى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يضحَكُ إليَّ ويُبَشِّرُني بالجنّة، وأرى الحورَ العينَ وأرى الملائكة .
فالوَعْدُ الذي وعدَهُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِمَن رآهُ في المنام وهو قوله:
" فسيراني في اليقظة " فإنه يُرادُ بِه الرّؤيَةَ في الدنيا قبلَ الموتِ وعلى هذا الجمهور
ولكني أُنَبِّهُ إلى أمرٍ مهم، وهو أنَّ الإنسانَ قد يرى في المنامِ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثم يَظُنُّ أن الرسولَ قال له كذا وكذا أو أمرَهُ بكذا، فليسَ العمَلُ بذلك على إطلاقِه، إنما يكونُ العمَلُ بِما يُوافِقُ ما جاءَ به رسولُ اللهِ في اليقظَةِ قبلَ موتِهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن القواعِدِ الدّينيَّةِ التي تقرّرت في حياتِه، فَما وافقَ القواعِدَ والشَّرائِعَ التي تقرّرت في حياتِهِ يُعمَلُ به، وما لا يوافِقُ لا يُعمَلُ به ويُحالُ الغلَطُ إلى الرّائي
فالقاعِدَةُ أنَّ الرسولَ لا يقولُ شيئاً في المنامِ يُخالِفُ ما قالَهُ في حياتِهِ في اليقظةِ قبل مماتِه، إنما الشئُ الذي يجوزُ على رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن يقولَهُ في المنامِ فهو ما لا يُخالِفُ شريعَتهُ التي تقرّرت في حياتِه، فإن كان الأمرُ كذلك فهذا يكونُ مُتَأكِّداً أنه كلامُ النبيّ، أما إن ظنَّ أن الرسولَ قال له ما يُخالِفُ ما قالَهُ في حياتِه، يُقال: هذا الشَّخصُ التَبسَ عليه، ما ضبطَ كلامَ الرسول، فالغلَطُ مِن الرّائي، أما رؤيَتُهُ لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم فهي حقٌّ لا شكَّ فيها لأن الشيطانَ لا يستطيعُ أن يُمَوِّهَ عليه الرؤيا
فالحاصِلُ أن رُؤيَةَ النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الرؤيا صحيحةٌ لا شكَّ فيها، أما الكلامُ فقد يَتيهُ عنه الشّخص، لذلك قال العلماء: " لا يُبنى حُكمٌ شرعِيٌّ على رؤيا منامِيّة يراها الشّخصُ لرسول الله صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم " ولكنَّ البُشرى له برؤياهُ لرسول الله ثابِتَة، وهي أنه يخرجُ مِن هذه الدنيا بِسلامٍ إن شاء اللهُ تعالى
نسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا رؤيَةَ نبيِّهِ محمد صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في المنامِ على هيئتِهِ الأصلِيَّةِ يُبَشِّرُنا بالجِنان وأن يرزُقَنا رؤيَتَهُ في الجنة إنَّ ربّي على كُلِّ شيءٍ قدير
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إلي
| |
الموضوعالأصلي : رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: