إذا ما قارنا بين حياة محمد صلى الله عليه و سلم، قبل رسالته وحياته بعد ان بدا رسالته، سنستنتج انه من غير الممكن ان نعتقد ان محمد صلى الله عليه و سلم، كان رسولا مزيفا و كان يدعي النبوة للحصول على ربح مادي، عظمة، مجد ،او سلطة.
لم يكن لدى محمد صلى الله عليه و سلم، اى اضطراب مادي ، قبل بعثته. فقد حقق محمد صلى الله عليه و سلم لنفسه- كتاجر ناجح حسن السمعة- دخل معقول و مرضى.أما بعد البعثة، أصبح وضعه المادي سيئا.
لإيضاح ذلك سنستعرض الأقوال التالية من حياته:
-عن عائشة رضي الله عنها - زوج الرسول صلى الله عليه وسلم - قالت: "اه يا ابن أختي، لقد مرت بنا ثلاثة اشهر قمرية بدون اشعال نار (لإعداد الطعام) في منزل الرسول. فسألها ابن اختها: " وما الذي أعانكم على ذلك؟ قالت : الأسودين (البلح و الماء).
وكان بعض جيران الرسول من الأنصار يملكون ناقة فيعطوا الرسول بعضا من لبنها.(البخاري ومسلم)
عن سهل بن سعد، احد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم قال : لم يصنع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبز من دقيق فاخر منذ ان كلف بالرسالة وحتى مماته. (البخارى والترمذى)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فراش الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ينام مصنوع من جلد منسوج من خيط نخيل البلح. (البخاري ومسلم)
عن عمرو بن الحارث، احد صحابة الرسول، قال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك بعد مماته إلا بغل ابيض للركوب، أدوات قتاله (من سيف ودرع وخوذة)، وقطعة ارض تركها للصدقة. (البخاري ومسند أحمد)
عاش محمد صلى الله عليه وسلم، حياة قاسية حتى وفاته، بالرغم من أن أموال المسلمين كانت تحت تصرفه، اعتناق الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية الإسلام وانتصار المسلمين بعد ثمانية عشر عام من رسالته.
بعد ذلك كله هل كانت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ادعاء في سبيل الحصول على مكانة، عظمة، وسلطة؟
الرغبة للاستمتاع بالمكانة والسلطة غالبا ما تكون مقترنة بالطعام الجيد، الثياب المختارة، القصور الفاخرة، حرس نابضيين بالحياة، و نفوذ لا يقبل الجدل.
هل كانت هذه هي الحياة التي يعيشها محمد صلى الله عليه وسلم؟
سوف نسرد لمحات من حياته صلى الله عليه وسلم لنجيب على تلك التساؤلات.
على الرغم من مسؤولياته كرسول، معلم، رجل دولة وقاض، اعتاد محمد صلى الله عليه وسلم ان يحلب معزته بيديه الشريفتين، يصلح ملابسه، يرمم حذائه، يساعد فى اعمال المنزل ويزور الفقراء والمرضى. لقد ساعد أيضا صلى الله عليه وسلم صحابته في حفر الخندق بنقل الرمل معهم... كانت حياته نموذجا مثاليا للبساطة والتواضع.
لقد أحبه الصحابة واحترموه، ووثقوا فيه الى أقصى حد. وعلى الرغم من ذلك كله استمر في التأكيد على أن العبادة يجب ان تكون لله وحده وليس له شخصيا.
قال انس رضي الله عنه، احد صحابة الرسول، انه لم يكن هناك انسان أحبوه أكثر من النبي صلى الله عليه و سلم، وبالرغم من ذلك لم يسمح لهم بالوقوف له عند دخوله عليهم كما يفعل الناس مع عظماء القوم.
وفي بداية البعثة حينما لم تكن هناك مؤشرات تدل على نجاح الدعوة (وذلك بالنسبة للمشركين)، في الوقت الذي عانى فيه الرسول وأتباعه شتى أنواع التعذيب والاضطهاد، تلقى الرسول الكريم عرض مغر من سادة قريش، حيث بعثوا له عتبة قائلا: إذا كنت تريد المال، سوف نجمع لك المال الكافى بحيث تكون أغنى شخص بيننا. وان كنت تريد القيادة سوف نجعلك قائدنا ولن نقرر اى امر بدون موافقتك. وان كنت تريد مملكة، سوف نتوجك ملك علينا. والمقابل الوحيد المطلوب تنفيذه من قبل الرسول محمد صلى الله عليه و سلم، هو التوقف عن دعوة الناس للإسلام وعبادة إله واحد بدون أي شريك.
الم يكن هذا عرضا مغريا لشخص يبتغى منفعة دنيوية. هل كان محمد صلى الله عليه وسلم، مترددا عندما عرض عليه هذا العرض؟ وهل رفضه كحيلة للمساومة لترك الباب مفتوحا امام عرض افضل؟
كلا، بل ردد وبحزم قول الله تعالى:
"بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرءانا عربيا لقوم يعلمون، بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون".
وفى مناسبة أخرى، وكاستجابة لالتماس عمه للتوقف عن دعوة الناس للإسلام كان رد النبي صلى الله عليه وسلم مخلصا و حاسما: "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ـ حتى يظهره الله أو أهلك فيه ـ ما تركته".
لم تكن معاناة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته فقط من الاضطهاد لمدة ثلاثة عشر عاما، ولكن الكفار حاولوا قتل الرسول عدة مرات، وفي إحدى المرات قاموا برمي جلمود ضخم - لا يستطيع احدا ان يحمله- على رأسه، وفي مرة أخرى حاولوا قتله عن طريق تسميم طعامه.
ما الذي يبرر حياة مليئة بالمعاناة و التضحية كهذه، حتى بعد ان انتصر كليا على أعدائه؟ ما الذي يفسر تواضعه و نبله اللذان أظهرهما في أعظم لحظات نصره ومجده مؤكدا على أن النجاح من عند الله وحده وليس من عبقريته الشخصية؟
هل هذه مواصفات رجل أناني متعطش للمال والنفوذ؟؟
| |
الموضوعالأصلي : البساطة في حياة المصطفى المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: