أم كجة


فى بيت من بيوت المدينة المنورة ترفرفت عليه السعادة وتشرق جنباته بالحب وتفرشه المودة والرحمة عاش الزوجان فى رحاب الإيمان .. طالما شهدتها دروب المدينة المنور متجهين معآ إلى المسجد للصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عائدين إلى دارهما تسبقهما الفرحة وتنبر طريقتهما البسمة ويهدهدهما المل .
وذات صباح رأت " أم كجة" زوجها يتقلد سلاحة فأقتربت منه وهتفت به :
إلى أين يا زوجى العزيز ؟
فقال لها :
مع رسول الله وصحبه إلى لقاء المشركين والتصدى لعير قريش العائد من الشام .
تبسمت الزوجة قائلة :
لولا أننى حامل فى شهرى الأخير لخرجت معكم مجاهدة أعد لكم الطعام والماء وأضمد الجرحى .. فإقترب منها زوجها وهمس فى أذنها : عائد إليك يا حبيبتى بالنصر إن شاء الله .. ومضى .. وحين عاد المسلمون من " بدر" بنصر الله وأسرع ( ثابت بن قيس) وقيل ( سعد بن ربيع ) إلى زوجته ( أم كجة) كان يوم عودته هو يوم الذى وضعت فيه زوجته بنتآ ثانية وكم كان يتمنى أن يكون المولود ذكرآ .. ولكنها إرادة الله .. يتقبلها المسلم بكل إطمئنان .
ومضت الأيام ( بأم كجة) وزوجها حتى إستدار العام وجاءت ألأبناء بان المشركين جاءو للإنتقام مما أصابهم فى يوم بدر....... واذن مؤذن الجهاد وأسرع زوج " أم كجة" يستعد للخروج مع جيش المسلمين إلى احد .
فقالت له زوجته :
هل تريد أن تحصل على ثواب الجهاد وحدك ؟ انا ما عرفتك يا زوجى العزيز انانيآ إلى هذا الحد ، إننى ما تخلفت عنكم يوم " بدر" إلا لظروف حملى اما الأن فانا ذاهبة معكم إلى ربى
فتبسم زوجها وسألها :
وأين سنترك أبنتينا ؟
قالت له : عند أمى ..
ومضى الزوجان مع فرسان النور وكان ما كان حين خالف تارماه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعادت " أم كجة " من المعركة وحيدة . تبكى ترى ... اكانت تبكى فرحآ لأن زوجها حبيبها .. ذهب مع الأحياء عند ربهم يرزقون ؟ أم تبكى لأنها لم تصاحب زوجها فى رحلة الخلود والحياة الأبدية ؟ أم لأنها أصحبت أرملة وكيف ستواجه الحياة بدونه شريكها الذى كان لها كل الحياة ؟
لكن الإيمان كان رفيقها والوفاء لذكرى زوجها كان دافعآ لمواجهه الحياة من أجل إبنتية .
لقد ترك لها زوجها الشهيد من المال ما يفى بكل حاجاتها لكنها فوجئت بجشع " عم " إبنتيها وقسوته حين أستولى على كل المال زوجها ولم يترك لهن شيئآ .
وبين يدى رسول الله صلى الله علية وسلم جلست " أم كجة " تعرض قضيتها قائلة :
يا رسول الله هاتان إبنتاى أستشهد أبوهما معك فى أحد وقد أخذ عمهما كل مالهما فما ترى يا رسول الله الرحمة .. فوالله لن يتزوجا إلا بمال أبيهما .. سكت المصطفى ثم قال لها :
يقضى الله فى ذلك ولم يطل الإنتظار حتى جاء حكم الله فى هذه القضية ونزل قوله تعالى :
(( يوصيكم الله فى أولد كم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق إثنتين فلهن ثلثآ ما ترك وإن كانت وحدة فلها النصف ولأبوية لكل وحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواة فلأمة الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين ءاباؤكم وأبناءكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعآ فريضة من الله إن الله كان عليمآ حكيمآ )) صدق الله العظيم .
ووقفت " ام كجة" وعم إبنتيهما امام محمد صلى الله علية وسلم . فقال له المصطفى .
( أعط البنتين الثلثين واعط الأم الثمن وما بقى فهو لك )
وهكذا قضت السماء فى قضية " ام كجة " وكان الحكم بداية وأساسآ للمواريث فى الإسلام .