والأكثر حلمآ ...

حين ذاع صيت معن بن زائد فى كل الأرجاء وتناقل الناس ما إتصفت به من الحلم وسعه الصدر حتى فى أحرج المواقف التى تهيج لها الصدور تراهن أعرابى مع آخرين وأخذ على نفسه أن يغضبه مقابل ( جعل) يأخذه منهم وكان مائة بعير وإذا أخفق دفع لهم مثلها فعمد إلى بعير فسلخة وارتدى جلده ودخل على معين وهو يومئذ وال على إحدى جهات العراق وأنشد يقول من غير تحية :
أتذكر إذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعير .
فقال معن :
أذكر ولا أنساه فقال الأعرابى :
فسبحان الذى أولاك ملكآ وعلمك الجلوس على السرير .
فقال معن :
إن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء فقال الأعرابى :
فلست مسلمآ ما عشت دهرآ عى معين بتسليم الأمر
فقال معن :
السلام خير وليس فى تركه ضير فقال الأعرابى :
سأرحل عن بلاد أنت فيها ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن : إذ جاورتنا فمر حبآ بالإقامة وإن جاورتنا فمصحوبآ بالسلامة فقال الأعرابى :
فجد لى يا بن ناقصة بمال فإنى قد عزمت على المسير
فقال معن :
أعطوه ألف دينار تخفف عنه مشقه الأسفار .
فأخذها الأعرابى وقال :
قليل ما أتيت به وإنى لأطمع منك فى المال الكثير
فثن فقد أتاك الملك عفوآ بلا عقل ولا أرى مستنير
فقال معن :
أعطوه ألف ثانيآ كى يكون عنا راضيآ .
فتقدم الأعرابى وقبل الأرض بين يدية وأنشد يقول .
سألت الله أن يبقيك دهرآ فما لك فى البرية من نظير فمنك

الجود والإفضال حقآ وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن :

أعطيناه على هجونا ألفين فليعط على مدحنا أربعآ فقال الأعرابى :
بأبى أيها الأمير ... فإنك نسيج وحدك فى الحلم ونادرة دهرك فى الجود ولقد كنت فى صفاتك ما بين مصدق ومكذب فلما بلوتك صدق الخبر الخبر وأذهب ضعف الشك قوة اليقين وما دفعنى إلى ما فعلت إلا مائة بعير جعلت لى إغضابك فقال معن :
لا تثريب عليك ووصلة بمائتى بعير فأخذها الأرعابى وإنصرف داعيآ له شاكرآ لهباته بحلمة وجميل صفاته .