البشارات والإشارات إلى ظهور سيد الكائنات
الحمد لله ولي التوفيق، وهادي من استهداه لأقوم الطريق
والصـلاة والسـلام على سيدنا محمد سيـد الداعيـن،
ورضـي الله عن أصحابه الغر المي وسلم تسليمًا كثيرًا،
أما بعد:
قال الله تعالى في القرءان الكريم: '' إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين '' (سورة ءال عمران '96') فهذه الآية تدل على أن المسجد الحرام هو أول بيت وضــع للنــاس في الأرض ليعبــد الله فيه وأول من بناه ءادم عليه السلام وكان هذا البيت مباركًا؛ فلقد كان لهذا البيت فضل على أهله فكان مقصدًا للناس تزوره الناس من كل حدب وصوب فيحصل هناك تجارة يستفيد أهل تلك الناحية منها، كيف لا ولقد دعا لهم الخليل إبراهيم قال الله تعالى: '' ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون '' فاستجاب الله تعالى دعاء الخليل إبراهيم فلقد كانت القبائل تذهب لزيارة هذا المكان المبارك ويعم الخير على الناس بسبب هذه الزيارة ويكتفي أهلها مما يجنونه من الربح طيلة العام.
عام الفيل:
كان ملك اليمن والحبشة ملك اسمه أبرهة وكان كافرًا لما رأى الناس يذهبون إلى مكة ولا يأتون إليه ويسمع عما يحصل من خير هناك فأراد أن يهدم الكعبة، وليصرف الناس عنها ويأتوا إليه أمر ببناء معبد عظيم مرصع بالجواهر, ثم جهز جيشًا عظيمًا تتقدمه الفيلة فلما علمت القبائل العربية أنه يريد هدم القبلة كانوا كلما مر من أمام قبيلة خرجوا إليه لمحاربته ولأن الفيلة كانت في مقدمة الجيش لم يستطيعوا أن يوقفوه ويمنعوه مما يريد حتى وصل إلى مشارف مكة, وعندها انطلق الجيش للسلب والنهب وبعدها طلب أبرهة أن يقابل زعيم أهل مكة، ولقد كانت قريش هي المتصدرة بين القبائل ولها الزعامة والسيادة بين العرب وكان زعيم قريش عبد المطلب بن هاشم القرشي جد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد المطلب لمقابلةالملك الطاغية ولما رءاه أبرهة من شدة جماله وهيبته وقف له وأجلسه بجانبه، فما إن جلس عبد المطلب حتى سأله عن إبله وعن ماشيته فتعجب أبرهة وقال له: عجبًا تسألني عن الإبل ولا تسألني عما جئت من أجله فقال له عبد المطلب: أنا رب الإبل ـ أي صاحبها ـ وللبيت رب يحميه، فدخل الخوف عندها إلى قلب أبرهة ولكنه أصر على أن يهدم الكعبة، وما إن حاول الجيش أن يقترب متهيئًا للدخول حتى برك الفيل وقعد فبعثوه فأبى فضربوه فأبى، فوجهوه إلى اليمن راجعًا فقام يهرول ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك وإلى المشرق ففعل مثل ذلك فوجهوه إلى الحرم فأبى، فأرسل الله طيرًا من البحر وكان مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره، وكان كل حجر فوق حبة العدس ودون حبة الحمص مكتوب على كل حجر اسم مَرْميِّه ينزل على رأسه فيخرقه ويقع في دماغه، فهلكوا ولم يدخلوا الحرم, قال القرطبي: "وكان أصحاب الفيل ستين ألفًا".
ومرض أبرهة بن الصبَّاح فتقطع أنملة أنملة وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه, وانفلت أبو يكسوم الكندي وزير أبرهة وطائر يتبعه حتى وصل إلى النجاشي وأخبره بما جرى للقوم فرماه الطائر بحجر فمات بين يدي الملك فأراه الله كيف كان هلاك أصحابه, وقال بعض العلماء: كانت قصة الفيل توكيدًا لأمره وتمهيدًا لشأنه صلى الله عليه وسلم, وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل, وسمي بعام الفيل لأن العرب كانوا يسمون العام بأشهر حادثة حصلت فيه.
ولد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في هذا العام في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين فقد روى الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل عليّ فيه".
بشائر النبوة:
ظهرت قبل ولادته البشائر التي تدل على رفعة شأنه، منها ما رواه ابن سعد عن عمة يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة أنها قالت: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به ءامنة بنت وهب كانت تقول ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي وربما كانت ترفعني وتعود، وأتاني ءات وأنا بين النائم واليقظان فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول ما أدري، فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم. وقال بعض العلماء ممن ألف في قصة المولد الشريف أن ءامنة بنت وهب حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم عشية الجمعة أول ليلة من رجب وإن ءامنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالا للذي في بطنها, وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالا وإعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك زوجها عبد الله فقال: هذه كرامة للمولود الذي في بطنك قالت: وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي وسمعت قائلاً يقول هذا نور السيد الرسول، ثم رأيت في المنام شجرة وعليها نجوم زاهرة بينهن نجمة فاخرة أضاء نورها على الكل وبينما أنا ناظرة إلى نورها واشتعالها إذ سقطت في حجري وسمعت هاتفًا يقول: هذا النبي السيد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أتاني ملك ومعه ورقة خضراء فقال: إنك قد حملت بسيد المرسلين ونبي المؤمنين، قالت: فانتبهت من نومي مرعوبة وحدثت بذلك زوجي فقال: قومي إلى خليفة بن عتاب يفسر لك هذا المنام قالت: فأتيت إليه وقصصت عليه هذا المنام فقال: الشجرة إبراهيم الخليل والنجوم الفاخرة هم الأنبياء من أولاده والنجمة الزاهرة الفاخرة التي علا ضوؤها على الكل فهو نبي يظهر في هذا الزمان يكسر الأوثان ويعبد الرحمن، وأما سقوطها في حجرك فسوف تلدينه وسيعلو مكانه وينتشر في المشرق والمغرب برهانه.
وقالت ءامنة: لما كان أول شهر من شهوري شهر رجب دخل على نبي الله ءادم وقال: أبشري يا ءامنة بسيد البشر.
ولما كان الشهر الثاني دخل علي نبي الله شيث, وفي الشهر الثالث دخل علي نبي الله ادريس, وفي الشهر الرابع دخل علي نبي الله نوح وفي الشهر الخامس دخل علي نبي الله هود،وفي الشهر السادس دخل علي نبي الله ابراهيم, وفي الشهر السابع دخل علي نبي الله اسماعيل، وفي الشهر الثامن دخل علي نبي الله موسى, وفي الشهر التاسع دخل علي نبي الله عيسى ابن مريم وقال لي: في هذا الشهر تضعين محمدًا صلى الله عليه وسلم.
فلما كان شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه وهي ليلة الاثنين من الليالي البيض اللاتي ليس فيهن ظلام وكان عبد المطلب قد خرج يطوف بالبيت هو وأولاده ولم يبق عند ءامنة ذكر ولا أنثى وقد أغلق عبد المطلب عليها الباب خوفًا عليها من طارق يطرقها قالت: ءامنة وبقيت في المنزل وحيدة إذ سمعت حركة بين السماء والأرض ورأيت ملكًا عظيمًا بيده ثلاثة أعلام فنشر الأول على مشرق الأرض والثاني على مغربها والثالث على البيت الحرام.
قالت ءامنة: وفي تلك الليلة أحسست بالذي في بطني يريد النزول فلحقني البكاء لوحدتي في المنزل فنظرت إلى ركن المنزل وقد ظهر منه أربع نساء طوال كأنهن الأقمــار فقلت لهن من أنتن اللاتي منّ الله علي بكن في وحدتي وفرج بكن كربتي؟ قالت الأولى: أنا مريم بنت عمران والتي على يسارك سارة زوجة ابراهيم والتي تناديك من خلفك هاجر أم اسماعيل الذبيح والتي أمامك ءاسية بنت مزاحم امرأة فرعون، قالت ءامنة: ولم يأخذني ما يأخذ النساء من الطلق إلا أني أعرق عرقًا شديدًا كالمسك الأذفر لم أعهده قبل ذلك من نفسي فشكوت العطش فإذا بملك ناولني شربة من الفضة البيضاء فيها شراب أحلى من العسل وأبرد من الثلج وأذكى رائحة من المسك الأذفر فتناولتها فشربتها فأضاء علي منها نور عظيم، فحرت لذلك وجعلت أنظر يمينًا وشمالا وقد اشتد بي الطلق فبينما أنا كذلك فإذا أنا بطائر عظيم أبيض قد دخل علي وأمرّ بجانبة جناحيه على بطني وقال: انزل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم فأعانني عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة فوضعت الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم فلما خرج مني خرج معه نور أضاء له المشرق والمغرب، وولد مكحولا مدهونًا مسرورًا مختونًا وحين وضعته رأيته رافعًا رأسه إلى السماء ولد الرحمة المهداة فهنيئًا لمن اهتدى بهداه صلى الله عليه وسلم.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
| |
الموضوعالأصلي : البشارات والإشارات إلى ظهور سيد الكائنات المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: