بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخَواتْ لَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَأَدَّى وَبَلَّغَ وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَأُوذِيَ وَصَبَرَ، وَعَلَّمَ وَأَمَرَ، فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ وَصَيْفٍ وَشِتَاءٍ وَلَيْلٍ وَنَهَارٍ مِنْ غَيْرِ كَلَلٍ أَوْ مَلَلٍ، حَتَّى انْقَادَتْ لَهُ نُفُوسٌ كَانَتْ جَامِحَةً، وَلانَتْ لِوَعْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلُوبٌ كَانَتْ جَلامِيدَ قَاسِيَةً، وَاشْرَقَتْ مِنْ نُورِ هَدْيِهِ أَفْئِدَةٌ كَانَتْ مُظْلِمَةً، وَأَيَّدَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ لِتَكُونَ دَلِيلاً عَلَى صِدْقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْمُعْجِزَاتُ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، قِيلَ إِنَّ عَدَدَهَا بَيْنَ أَلْفٍ وَثَلاثَةِ ءَالافٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلاَّ وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا». فَقِيلَ لِلشَّافِعِيِّ أَعْطَى اللَّهُ عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ حَنِينَ الْجِذْعِ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ».
وروى مالِكٌ في الموطّأ عن إسحاقَ بنِ عبدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنّهُ سمِعَ أنَسَ ابنَ مالِكٍ يقول قال أبو طلحةَ لأمِّ سُلَيم :لقَد سمِعتُ صَوتَ رسولِ الله صلى الله عليه و سلم ضَعيفًا أعرِفُ فيهِ الجُوعَ فهَل عِندَكِ مِن شَىء، فقالت نَعم، فأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِن شَعِير ثم أخَذَتْ خِمارًا لها فلَفَّتِ الخُبزَ ببَعضِه ثم دَسَّتْهُ تحتَ يَدِي ورَدّتني ببَعضِه، ثم أَرسلَتْني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال فذَهَبْتُ بهِ فوجَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم جالِسًا في المسجد ومعَهُ الناسُ فقُمتُ علَيهِم، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسَلَك أبو طَلحة قال فقلتُ نَعم، قال للطّعَام"، فقلتُ نَعم ،فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن مَعه "قُومُوا"، قال فانطَلَق وانطَلقتُ بينَ أَيديْهم حتى جئتُ أبا طلحةَ فأخبَرتُه، فقال أبو طلحة يا أمَّ سُلَيم قد جاءَ رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس وليسَ عندَنا مِنَ الطّعام ما نُطعِمُهم، فقالت الله ورسولُه أعلم ،قال فانطلَق أبو طلحةَ حتى لقِيَ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم، فأَقْبَل رسولُ الله صلى الله عليه و سلم وأبو طلحةَ معَه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هَلُمّي يا أمَّ سُلَيم ما عندَكِ"، فأتَتْ بذَلك الخبزِ فأمَرَ بهِ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ففُتَّ وعَصَرَتْ علَيه أمّ سُليم عُكّة لها فآدَمتْه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاءَ الله أن يقول ثم قالَ" ائْذَن لعَشَرةٍ بالدّخُولِ"، فأذِن لهم فأكَلُوا حتى شَبِعُوا ثم خَرجُوا، ثم قال "ائْذَن لعَشرَةٍ" فأذِنَ لهم فأكَلُوا حتى شبِعُوا ثم خرَجُوا، ثم قال "ائْذَن لعَشرَةٍ" فأذِنَ لهم فأكَلُوا حتى شبِعُوا ثم خرَجُوا، ثم قال "ائْذَن لعَشَرة" فأذِنَ لهم فأكلُوا حتى شبِعُوا ثم خرَجوا ،ثم قال "ائْذَن لعشَرة" حتى أكلَ القُومُ كلُّهم وشبِعُوا، والقومُ سبعُونَ رجُلا أو ثمانونَ رجلا.
قال النووي في شرح مسلم قوله(عَصَرَتْ علَيهِ عُكّةً ) هيَ بضَمّ العَين وتَشديد الكاف وهيَ وِعاءٌ صَغير مِن جِلدٍ للسَّمنِ خَاصّةً وقوله ( فآدَمَتْه ) هو بالمدِّ والقَصرِ لغتان آدمَته وأَدَمتْه أي جعَلَت فيه إدامًا، وإنما أذِنَ لعَشَرة عشَرة ليَكُونَ أَرفَق بهم فإنّ القَصْعَة التى فُتّ فيها تِلكَ الأقراص لا يتَحلّقُ عليها أكثرُ مِن عشَرة إلا بضَرر يلحَقُهم لبُعدِها عنهم والله أعلم. وأما الحديثُ الآخَر ففيه أنّ أنَسًا قال بعثَنى أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأدعُوَه وقد جعَل طعامًا فأقبَلتُ ورسول الله صلى الله عليه و سلم مع الناس فنظَر إلى فاستَحْيَيْتُ فقلتُ أجِبْ أبا طلحةَ فقال للناس قوموا" وذكر الحديث.
| |
الموضوعالأصلي : مِن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: