لما كان الحب فطرة
متأصلة وقاعدة راسخة في سلوكه صلى الله عليه وسلم وسيرته فقد دل هذا
على أهمية هذا الرباط ودوره الفعال في إقامة صرح كل بناء متين , ولهذا فان
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالشعور بالحب وحده بل دعا الناس كي يحب
بعضهم بعضا ,وجعل الحب آية الإيمان ,فقال عليه الصلاة والسلام "لاتدخلوا
الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا "- رواه مسلم –
وحتى يبقى هذا الرباط قويا ومتينا فقد أحاطه الرسول صلى الله عليه وسلم
بسياج يصونه ويقويه ,وذلك من خلال الدعوة إلى مجموعة من الآداب والأخلاق
التي توطد العلاقات الإنسانية وتنشر الألفة والأخوة بين الناس .وفيما يلي
بيان لبعض هذه القواعد .
1- النهي عن تناجي اثنين دون ثالث
قال صلى الله عليه وسلم "لايتناجى اثنان دون واحد فان ذلك يؤذي المؤمن
والله يكره أذى المؤمن " – رواه الترمذي –فهنا يوصي المربي الأول الأصدقاء
إذا كانوا ثلاثة ألا ينفرد اثنان منهم بكلمة سر فان ذلك يسئ إلى شعور
الثالث إذ يضعه موضع الظنة وضعف الثقة به مما يؤثر سلبا على رابطة المحبة
التي جمعت بينهم .
2- الإعلام بالمحبة
إن مما ينعش عاطفة المحبة بين الناس أن يعلم المرء أخاه بأنه يحبه.فعن انس
–رضي الله عنه –" أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال:
يارسول الله إني لأحب هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أأعلمته؟
قال: لا ,قال :اعلمه فقال: إني احبك في الله فقال :احبك الذي أحببتني له
"رواه أبو داود –
ووضع بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم تعليما وتوجيها فقال " إذا أحب أحدكم
أخاه فليخبره انه يحبه " .وإنما أمر بالإعلام بالمحبة لان ذلك يوجب زيادة
الحب ,فانه إذا عرف انك تحبه احبك بالطبع فإذا عرفت انه أيضا يحبك زاد حبك
لامحالة فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف .- كما قال الإمام
الغزالي في الإحياء .
3-تحية السلام
إذ يجب على المسلم إذا لقي أخاه أن يسلم عليه , فرغم بساطة هذه القاعدة إلا
أنها تقوم بدور مهم في بث روح المحبة ,وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف "
لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أو لا أدلكم على شئ إذا
فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم " – رواه مسلم -
4- دعوته بأحب الأسماء إليه
وهذا في غيبته وحضوره, وقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو
أصحابه بكناهم إكراما لهم واستمالة لقلوبهم , ويكني النساء اللاتي لهن
الأولاد واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكنى , ويكني الصبيان فيستلين به
قلوبهم .
5- الذب عنه في غيبته
ومما يستميل قلب أخيك إليك أن تذب عنه في غيبته , وتدفع عنه كل سوء أو
تعريض بشرفه وأخلاقه ,قال صلى الله عليه وسلم " المسلم اخو المسلم
لايظلمه ولا يخذله ولا يسلمه " – رواه مسلم- فان أنت تركت نصرته والذب عنه
فكأنما خذلته وظلمته وأسلمته للناس ليأكلوا لحمه وأنت تشهد ذلك .
6- نبذ الخصام والهجران
لما كان الخصام والهجران عدوانا واجتراء على حياة الحب وأواصر الود فقد نهى
عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه , واخبر عليه الصلاة والسلام انه
لايحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث فقال " لاتقاطعوا ولا تدابروا ولا
تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه
فوق ثلاث " – رواه مسلم –بل اخبر عليه الصلاة والسلام أن القطيعة إذا طال
أمدها تكاد تكون جريمة قتل تقتل علاقة الود والمحبة التي كانت بين هؤلاء
الإخوة فقال " من هجر أخاه فهو كسفك دمه "- رواه أبو داود –
7- العفو عن الزلات
ومما يدوم به الحب بين الناس أن تكون للمعاذير عندهم حرمة , وللعثرات من
صفحهم نصيب , وهفوة الصديق أو عثرته لاتخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب
معصية ,أو في حقك بتقصيره في الأخوة .
فإذا كانت الهفوة في الدين وجب عليك نصحه وإرشاده فان لم ينتصح فلك أن
تقطع صلتك به , وهذا ما ذهب إليه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري.ولك أن
تحافظ على عقد الأخوة الذي بينكما أخذا بعين الاعتبار أن أخاك يعوج مرة
ويستقيم أخرى وهذا ما ذهب إليه أبو الدرداء وجماعة من الصحابة – رضي الله
عنهم – وفي هذا المعنى قال بشار بن برد
إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لاتلقى الذي لاتعاتبه
فعش واحدا أو صل أخاك فانه مقارف ذنب مرة ومجانبه
أما إذا كانت الهفوة في حقك فالواجب هو العفو والاحتمال وان تتلمس لأخيك
الأعذار قبل أن تعاقبه أو تهجره .وقد قيل ( ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك
الأعذار قبل أن تعاقبه أو تهجره ) .
8- الوفاء
والوفاء لاينفصل عن المحبة كيف و" الوفاء هو الثبات على الحب وإدامته إلى
الموت معه وبعد الموت " وقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم أروع صور
الوفاء سواء في علاقته بالله عزوجل أو في علاقته بمن كان يحبهم من الناس
وخاصة زوجته خديجة – رضي الله عنها - .كما حث آمته على التخلق بهذه الخصلة
الكريمة بل واعتبر الوفاء بالعهد من الإيمان حيث روي انه صلى الله عليه
وسلم أكرم عجوزا دخلت عليه فقيل له في ذلك فقال " إنها كانت تأتينا أيام
خديجة وان حسن العهد من الإيمان " .
فهذه إذن قطرات من بحر توجيهاته صلى الله عليه وسلم تدل على أن
الرسول صلى الله عليه وسلم أحب الحب وأدرك قيمته ودوره في حياة الناس
فقال فيه قولا بليغا وعاش حياته محبا ودودا عليه صلوات ربنا وسلامه عليه.
| |
الموضوعالأصلي : القواعد التي صان بها الرسول صلى الله عليه وسلم المحبة المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: