كَم هيَّجَتْ أشواقَنَا ذكرى النَّبيْ = في يومِ هَاجرَ بِالصَّلاحِ لِيثْرِبِ
مِن بعدِ أنْ ذَاقَ العناءَ بمكةٍ = مِن كفِّ خطَّاءٍ لئيمٍ مُذنبِ
وصديقُهُ الصديقُ صاحبُهُ الذي = فَألُ السَّعادَةِ جاءَهُ بالمَطلَبِ
وغَدا لخيرِ المرسلينَ مُصاحبًا = في هجرةٍ جاءت لَنا بالمَرغَبِ
وفَدى الحبيبَ بنفسِهِ وبمالِهِ = وعَلا إلى أنْ صارَ فوقَ الكَوكَبِ
ومَشى الحبيبُ بِقصْدِهِ مُتوجِّهًا = نحوَ المدينةِ ذَاتِ طَلعٍ طَيِّبِ
وغَمامةٌ فوقَ النَّبيِّ تظلُّهُ = وحِراسَةُ الدَّيانِ لم تَتَغيَّبِ
فطَوى الفَيافي - مَن فؤادي دُونَه- = ورأى المَشقَّةَ في الشُّروقِ ومَغرِبِ
وتَناقَلت في مَكَّةٍ أخبارُهُ = أنْ أدرِكُوا بجوائزٍ ذاكَ النَّبي
وسَرَا سُراقةُ نحو أَحمدَ مُسرِعًا = حتَّى غَدا من قَصدِهِ بالمَقرُبِ
غارتْ بِهِ ما كانَ يركبُ في الثَّرى = فإذا بهِ مُستنجِدٌ بالمَطلَبِ
فأجارَهُ خيرُ الورى بإِشارَةٍ = لكنَّ حبَّ عطائِهِمْ لم يَغرُبِ
فأشارَ أحمدُ ثانيًا بيمينِهِ = فغدتْ قوائمُ خيلِهِ في التِّريَبِ
فدرَى سراقةُ أنَّ أحمدَ أحمدٌ = وبأنَّهُ نجمٌ عليُّ المَنصِبِ
فأصاخَ سَمعًا للرَّسولِ وصدَّقتْ = أركانُهُ أنَّ النبوةَ في أَبِي
ولأُمِّ مَعبدَ قد بَدتْ أنوارُهُ = فتعجَّبتْ، هذا النَّبيُّ أتعجَبِي!
هذا الذي مَشَتِ العوالِمُ دُونَهُ = في وَجهِهِ كلُّ المَحاسِنِ فاطلُبِي
قَدِمَ المدينةَ فاستحالَتْ طيبَةً = وتميَّزتْ عن غَيرِها بالطَّيِّبِ
بشرى لها ولأَهلِها بقدومِهِ = قد غَابَ عنهم كلُّ ضرٍّ مُعطِبِ
وتَبَارَكتْ أنحاؤُهَا وديارُهَا = وتكلَّمتْ: أَنعم بِه من سَيِّبِ
قلبَ الزمانَ بهديهِ ورَشَادِهِ = وبَنَى الرجالَ فما تَرى من غَيهبِ
نشرَ الفضيلةَ في البِلادِ جميعِهَا = وهَدى العبادَ إلى طريقٍ مُخْصِبِ
وجَلا الحقائِقَ للعُيونِ مبيِّنًا = سَنَنَ الرَّشادِ وماحِقًا لِتَعصُّبِ
فجَزَى الإلهُ نبينَا بمقامِهِ = وبما يَسُرُّ فؤادَهُ من مَطلَبِ
نفسي وإِنْ طالَ الزمانُ فداؤُهُ = هذا اعتقادِي بل دِيانةُ مذهَبِي
فإِليَّ يا ابنَ فَواطِمٍ وعَواتِكٍ = فأنَا عُبيدٌ ما لَهُ من مُعْصِبِ
قُمْ يا رسولَ اللهِ إنا هَمَّنَا = همٌ، فجاهُكَ أحمدٌ لمْ يُسلَبِ
إنَّا المَوَاتُ وأنتَ حيٌّ بيننَا = فاسْقِ المَواتَ بشَربَةٍ من مَشرَبِ
أدرِكْ أَيا خيرَ البرايَا مُكلَمًا = لعِبتْ بهِ مِحَنُ الزمانِ بِمَلعَبِ
واللهِ مَا قَصَدَ الإلهَ محمدٌ = إلا وجَاءَ الكونُ يدنُو كالصَّبِي
إذْ كلُّ مخلوقٍ لهُ متذلِلٌ = لِجَنابِه، وهو النَّبِي ولا نَبِي
وأنَا عُبيدُك جعفرٌ جاءَتْ بِهِ = نُوقُ البيانِ بشعرِهِ المُتَطيِّبِ
فقلِ القَبولُ حليفَكُم ومصيرَكُم = وأمانةٌ من كَونِنَا المُتقلِّبِ
إنْ لمْ يكنْ عملٌ لديَّ فإنَّ لِي = رَحِمٌ لديكَ ووصْلُها مِن أَقرَبِ
وعلى النَّبيِّ الهَاشِميِّ غَمامَةٌ = تَهمِي بسحْبٍ من سَلامٍ مُعشِبِ
وتَسِحُّ مِسكًا مِن صلاةِ مُمَجَّدٍ = وتُقيلُ عثرةَ مادحٍ والمُنجِبِ
وكذا على أُمي البتولِ ونَسلِهَا = أهلِ التُّقى مَن جَاهُهُم كالكَوكَبِ
وعلى الصِّحابِ الفاضلينَ جميعِهِم = عدَّ السحابِ الجارياتِ وتَورَبِ
| |
الموضوعالأصلي : نفحة من هجرة طه المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: