اعلم.. أنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسماء كثيرة.
قال الإمام النّووي في «التّهذيب» : (قال الإمام الحافظ القاضي أبو بكر ابن العربّي المالكيّ في كتابه «عارضة الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ» : قال بعض الصّوفيّة: لله عزّ وجلّ ألف اسم، وللنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألف اسم) اهـ
وعن جبير بن مطعم بن عديّ رضي الله تعالى عنه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لي أسماء، أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو الله بى الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدميّ «1» ، وأنا العاقب الّذي ليس بعده نبيّ» .
وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: لقيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في بعض طرق المدينة؛ فقال: «أنا محمّد، وأنا أحمد، وأنا نبيّ
__________
(1) هكذا بتشديد الياء مع فتح الميم على التثنية، أو (قدمي) بكسر الميم وبتخفيف الياء على الإفراد، روايتان.الرّحمة، ونبيّ التّوبة، وأنا المقفّي «1» ، وأنا الحاشر، ونبيّ الملاحم» .
ومعنى (المقفّي) : المتّبع من قبله من الرّسل، وكان اخرهم وخاتمهم.
و (الملاحم) هي: الحروب.
ففي تسميته صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الملاحم إشارة إلى ما بعث به من القتال بالسّيف.
ولم يجاهد نبيّ وأمّته قطّ ما جاهد صلّى الله عليه وسلّم وأمّته.
والملاحم الّتي وقعت وتقع بين أمّته وبين الكفّار.. لم يعهد مثلها قبله؛ فإنّ أمّته يقاتلون الكفّار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار إلى أن يقاتلوا الأعور الدّجّال.
وفي «التّهذيب» : (سمّاه الله عزّ وجلّ في القران رسولا، نبيّا، أمّيّا، شاهدا، مبشّرا، نذيرا، داعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، ورؤوفا رحيما، ومذكّرا، وجعله رحمة ونعمة وهاديا صلّى الله عليه وسلّم.
قال: وعن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اسمي في القران: محمّد، وفي الإنجيل:
__________
(1) بكسر الفاء على أنه اسم فاعل، أو (المقفّى) بفتحها على أنه اسم مفعول.
أحمد، وفي التّوراة: أحيد «1» ، وإنّما سمّيت أحيد لأنّي أحيد أمّتي عن نار جهنّم» .
وزاد نقلا عن ابن عساكر: الفاتح، وطه، وياسين، وعبد الله، وخاتم الأنبياء.
وقال القسطلّانيّ في «المواهب» ، والباجوريّ في «حاشية الشّمائل» : ذكر صاحب كتاب «شوق العروس وأنس النّفوس» ، وهو حسين بن محمّد الدّامغانيّ نقلا عن كعب الأحبار أنّه قال: اسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند أهل الجنّة: عبد الكريم، وعند أهل النّار:
عبد الجبّار، وعند أهل العرش: عبد الحميد، وعند سائر الملائكة:
عبد المجيد، وعند الأنبياء: عبد الوهّاب، وعند الشّياطين:
عبد القهّار، وعند الجنّ: عبد الرّحيم، وفي الجبال: عبد الخالق، وفي البراري: عبد القادر، وفي البحار: عبد المهيمن، وعند الحيتان: عبد القدّوس، وعند الهوامّ: عبد الغياث، وعند الوحوش:
عبد الرّزّاق، وعند السّباع: عبد السّلام، وعند البهائم: عبد المؤمن، وعند الطّيور: عبد الغفّار، وفي التّوراة: مؤذ مؤذ، وفي الإنجيل:
__________
(1) بهمزة مضمومة ثم حاء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة، هكذا ضبطه بعضهم على وزن الفعل، فهو عربي. والمشهور ضبطه: (أحيد) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية، على وزن اسم التفضيل، وبه ضبطه البرهان في «المقتفى» . قال الشّمنّيّ: وهو المحفوظ وهو غير عربي.
طاب طاب، وفي الصّحف: عاقب، وفي الزّبور: فاروق، وعند الله:
طه، وياسين، وعند المؤمنين: محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وكنيته: أبو القاسم؛ لأنّه يقسم الجنّة بين أهلها.
قوله: (مؤذ مؤذ) : نقل في «المواهب» عن السّهيليّ: أنّه بضمّ الميم، وإشمام الهمزة ضمّا بين الواو والألف، ممدودا. وقال: نقلته عن رجل أسلم من علماء بني إسرائيل، وقال معناه: طيّب طيّب) اهـ فيكون بمعنى الاسم الاخر وهو: (طاب.. طاب) .
وأمّا الفاروق: فهو الّذي يفرّق بين الحقّ والباطل، وهو معنى اسم (البار قليط) «1» المذكور في «إنجيل يوحنّا» .
وقد ألّف خاتمة الحفّاظ جلال الدّين السّيوطيّ رسالة سمّاها:
«البهجة السّنيّة في الأسماء النّبويّة» جمع فيها نحو الخمس مئة.
ونقل في «المواهب» عن كتاب «أحكام القران» لأبي بكر ابن العربيّ: أنّ لله تعالى ألف اسم، وللنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ألف اسم.
قال القسطلّانيّ: (والمراد: الأوصاف، فكلّ الأسماء الّتي وردت أوصاف مدح، وإذا كان كذلك.. فله صلّى الله عليه وسلّم من كلّ وصف اسم.
__________
(1) البار قليط، والبار قليط، والبار قليط، والبار قليط، ويروى أيضا بالفاء دون الباء؛ وهو: الذي يفرّق بين الحق والباطل. وقال التقي الشمنّي: وأكثر أهل الإنجيل على أن معناه: (المخلّص) .
ثمّ إنّ منها ما هو مختصّ به، أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك.
وكلّ ذلك بيّن بالمشاهدة لا يخفى.
وإذا جعلنا له من كلّ وصف من أوصافه اسما.. بلغت أسماؤه ما ذكر، بل أكثر.
قال: والّذي رأيته في كلام شيخنا- يعني الحافظ السّخاويّ- في «القول البديع» ، والقاضي عياض في «الشّفا» ، وابن العربيّ في «القبس» و «الأحكام» ، وابن سيّد النّاس وغيرهم.. يزيد على الأربع مئة، ثمّ سردها مرتّبة على حروف المعجم) .
وذكر منها الإمام الجزوليّ في «دلائل الخيرات» مئتين وواحدا.
وقال في «التّهذيب» : (وكنيته صلّى الله عليه وسلّم المشهورة: أبو القاسم، وكنّاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم: أبا إبراهيم) .
وأفضل أسمائه صلّى الله عليه وسلّم: محمّد.
قال القسطلّانيّ: (وقد سمّاه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي عام، كما ورد في حديث أنس رضي الله عنه.
وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار: أنّ ادم أوصى ابنه شيثا فقال:
أي بنيّ؛ أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التّقوى والعروة الوثقى، وكلّما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمّد، فإنّي رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، ثمّ طفت السّماوات فلم أر فيها موضعا إلّا
ورأيت اسم محمّد مكتوبا عليه، وإنّ ربّي أسكنني الجنّة، فلم أر فيها قصرا ولا غرفة إلّا وجدت اسم محمّد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمّد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب اجام الجنّة «1» ، وعلى ورق شجرة طوبى «2» ، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب «3» ، وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره؛ فإنّ الملائكة تذكره في كلّ ساعاتها.
قال حسّان بن ثابت رضي الله تعالى عنه:
أغرّ عليه للنّبوّة خاتم ... من الله من نور يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذّن: أشهد
وشقّ له من إسمه ليجلّه ... فذو العرش محمود وهذا محمّد
وأمّا اسم أحمد: فقد قال الباجوريّ في «حاشيته» :
هو في الأصل أفعل تفضيل، وسمّي بذلك لأنّه أحمد الحامدين لربّه؛ ففي «الصّحيح» : أنّه يفتح عليه يوم القيامة بمحامد لم يفتح بها على أحد قبله، وكذلك يعقد له لواء الحمد، ويخصّ بالمقام المحمود.
وبالجملة: فهو أكثر النّاس حامديّة ومحموديّة، فلذلك سمّي أحمد ومحمّدا. ولهذين الاسمين الشّريفين مزيّة على سائر الأسماء، فينبغي
__________
(1) جمع أجمة: الشجر الملتفّ؛ أي: على أغصان شجر الجنّة.
(2) تأنيث الأطيب، شجرة في الجنّة.
(3) الأستار التي في الجنة، أو المحلات التي لا يتجاوزها الرائي إلى ما وراءها.
تحرّي التّسمية بهما، فقد ورد في الحديث القدسيّ: «إنّي اليت على نفسي ألاأدخل النّار من اسمه أحمد، ولا محمّد» .
ورواه الدّيلميّ عن عليّ رضي الله تعالى عنه: ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه محمّد أو أحمد.. إلّا قدّس الله ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين) اهـ .
الموضوع موخوذ من كتاب وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
يوسف بن إسماعيل بن يوسف النَّبْهَاني (المتوفى: 1350هـ) .
| |
الموضوعالأصلي : الفصل الثّاني في أسماء نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم. المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: