بسم الله الرحمن الرحيم

ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، فمن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادى له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآله وصحبه كما صليت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآله وصحبه كما باركت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد،أما بعد،
فأن أصدق الكلام كلام الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ،
ثم أما بعد ،
ان من هداية ابن آدم ان يكون قيادة عقله تابعة للنص ( النقل ) ، وكيف لا وهى أى تلك الهداية بما ترسخه فى أنفسنا من ضبط العلاقة بين العقل والنقل التى بموجب هذة الهداية وتفهما لهذه العلاقة تكون ضابط للفطرة ،
وتجعل الانسان سويا يمكن التفاهم معه ، واما اذا اختلت المقاييس لهذى العلاقة وانحلت المفاهيم بحيث لايمكن ضبطها، هنا كيف لنا التفاهم فيما بعضنا البعض ، بل كيف نفهم كلام الخالق سبحانه وتعالى ، الذى نزل فى كتابه وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
لذلك تكون السلامة بأن يقدم النقل على العقل وينقاد العقل للنقل،وذلك بسلامة النظرة للعلاقة بين العقل والنقل،
بحيث لايمكن أن يتعارضا فى وجود عقل صريح مع ثبوت النقل الصحيح،
ويشهد لهذا كلام ابن تيمية رحمه الله جمعه الشيخ محمود حفظه الله بتقصى كتاباته من مؤلفاته، قال :
" العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد فالذى خلق العقل هو الذى أرسل اليه النقل وومن المحال أن يرسل اليه مايفسده "
العقل الصريح هو الواضح الذي يتعامل مع الأسباب بوضوح ، ويتعرف على مدارك اليقين ، ولا يختلف عليه اثنان .
النقل الصحيح يتمثل في القرآن ، وما صحَّ عن نبينا صلى الله عليه وسلم،
معنى "يشهد له ويؤيده" أن العقل يشهد لصحة النقل ويؤيده .
فالعقل خلقه الله سبحانه وتعالى ، وهو العليم بكيفية هذا العقل ، لأنه تابع للروح ، والإنسان لا يعلم كيفية عقله ولا يعلم كيفية روحه التي بين جنبيه ، فالعقل والروح في داخل الإنسان وذاته ويعجز عن التعرف على كيفية روحه وكيفية عقله ، فالذي خلق الإنسان وسواه وصنعه هو الذي وضع هذا العقل في قلبه ، فأنزل إليه نظاماً يسير عليه ، فمن المحال أن الذي يصنع صنعة يرسل اليها منهجا يفسدها ، والإنسان لا يقبل ذلك على نفسه ، فمثلاً المصانع التي تنتج الأجهزة الكهربائية تضع مع كل جهاز دليل التشغيل، ودليل التشغيل عبارة عن نظام منقول ممن صنع هذا الجهاز يقول لك فيه : عليك أن تلتزم بنظام التشغيل حتى لا تفسد الصنعة ، ونضمن لك سلامة الجهاز لمدة عام مثلاً ، فبذلك لاتفسد الصنعة ،
ولذلك نقول: لا يمكن على الإطلاق أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح فالعقل الصريح غريزة وضعها الله في قلوب الممتحنين من عباده ،فالنقل الصحيح نزل من عند الله عز وجل الى جبريل عليه السلام الى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه حتى وصلنا وأصبح بين أيدينا ،وتأكدنا فعلاً أنه نقل صحيح ، إما من خلال القرآن أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطالما أن القضية كذلك ، فأعقل الناس الذي يطلب السلامة لنفسه والسلامة لهذه الآلة الموجودة داخل البدن والسلامة للبدن والسلامة للأمة كلها هو الذي يلتزم بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
فالإنسان إذا صنع صنعة لا يرسل معها دليلاً يفسد الصنعة ، ولو فعل ذلك لَعدّ ذلك عيباً ، فإذا كان ذلك فيما بين البشر، فكيف بخالق البشر الذي صنعهم وعدلهم وجعلهم في هذه الهيئة القويمة أن ينزل منهجاً من السماء يلتزم به الإنسان فتفشل الصنعة،
إذاً ، من يقول بأن التزامه بالشرع يؤدي إلى الرجعية أو ما شابه ذلك ، هذا لا يفهم نفسه ولا يفهم عقله ولا يفهم شيئاً في الحياة على الإطلاق ، ولكنه تربَّى على أن ما يراه بعقله هو الصواب ، والحقيقة ليست كذلك ، بل العقل يقول أن الحماية تكون في ما نزل من عند الله عز وجل ، ولذلك كان من المحال أن يضل الإنسان أو يشقى أو يعيش معيشة ضنكاً إذا اتبع هداية الله تعالى ، قال سبحانه وتعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) (طه:123).
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول ، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا ، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفاً بالأدلة الشرعية ، وليس في المعقول ما يخالف المنقول".
أي: ليس في العقل الصريح ما يخالف النقل الصحيح.
ويقول أيضاً: "من قال بموجب نصوص القرآن والسنة أمكنه أن يناظر الفلاسفة مناظرة عقلية يقطعهم بها ويتبين له أن العقل الصريح مطابق للسمع الصحيح".
من قال بموجب نصوص القرآن والسنة : يعني التزم بما ورد في القرآن والسنة نصاً.
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى: "العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ، كما أن المنقول عن الأنبياء عليهم السلام لا يخالف بعضه بعضاً".
فما نزل على نبينا لايخالف مانزل على موسى ولايخالف مانزل على عيسى ولايخالف مانزل على سائر الأنبياء،
لأن المصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل.
ثم قال رحمه الله تعالى: "لكن كثيراً من الناس يظن تناقض ذلك ، وهؤلاء من الذين اختلفوا في الكتاب ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد"
وسبب الاختلاف أنهم قدموا عقولهم على المنقول ، وبدأوا يؤخرون كتاب الله ولا يُمكن أن الله سبحانه وتعالى يُنزل إلينا كلاماً ونظاماً ودستوراً لنسير عليه ونلتزم به ثم إذا التزم الإنسان به يفسد، بل الفساد في عكسه ، بل أغلب الذين كفروا بالله سبب كفرهم أهواؤهم وعقولهم ، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (آل عمران: 101) ، والاعتصام بالله هو الاعتصام بالكتاب والسنة ، وإذا تركت الكتاب والسنة فلا تأمن على نفسك ، والإنسان قد يصل بسبب بُعده عن الله إلى الكفر والضلال ، والتعامل مع الحق سبحانه وتعالى من قِبَل الحق الواجب من عباده إليه ، وهو حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، فلو شاء الله تعالى لألزمنا قهراً ، كما قال تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) (مريم:93) ، فأنت عبد لله شئت أم أبيت ، ولكن لأنك في دنيا ابتلاء واختبار ترك الله لك مجالاً في مسألة اختيار الكفر أو الإيمان ،( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (الإنسان: 2-3)، فترك الله تعالى لك الخيار حتى تتحمل المسئولية ، فأنزل الله تعالى لك هداية لتلتزم بها ، فإن أبيت فتحمَّل المسئولية ، ولكن من حق العبودية وما أوجب الله عليك أن تلتزم بالأوامر الشرعية إلزاماً ، ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لألزمك بها إلزاماً ، ولكن القضية أن الله تعالى كما أنه قدير هو أيضاً حكيم ، له الحكمة البالغة وله الحجة البالغة على خلقه ، خلق الدنيا للابتلاء ، والابتلاء يترتب عليه الجزاء في الجنة أو في النار.
قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) (البقرة:170) ، فما أنزل الله هو النقل ، وما ألفوا عليه آباءهم مصدره العقل كما فعل كفار قريش الذين جحدوا رسول الله ، ورأوا بعقولهم أن المصلحة في أن تبقى قريش على ما هي عليه فيرتفع السادة ويبقى العبيد أذلاء ، فنظروا إلى مصلحة ضيقة ، في حين أنهم لو كانوا استجابوا لرسول الله ، واستجابوا للنقل واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لسادوا الأمم،
فإذا نظرت بالعقل ستجد أن الكمال في النقل وفي اتباعه ، وهذا ستجده كثيراً في كتاب الله
وقال تعالى في شأن من وَصَل إلى قِمَّة الكفر الذين يقولون لغيرهم: اتبعوا سبيلنا وستحيون في رغدٍ : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) ، فهؤلاء يقودون أنفسهم بأهوائهم وعقولهم ، وسبيل الحق سبحانه وتعالى يتمثل في النقل ، الذي فيه الهداية والكمال ، قال تعالى: (وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (العنكبوت:12) .
وللنظر إلى ما حدث من المتكلمين في قضية الأسماء والصفات ، يظل الواحد منهم سنين طويلة ويصنف عشرات الكتب حتى يقول للناس بأن نصوص الشرع ظاهرها باطل ، فاصرفوها عن ظاهرها ، أوِّلوا أو فوِّضوا أو عطِّلوا، وفي النهاية يقول:
نهايــة إقدام العقـول عِقـال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانــا أذى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم يقول: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5] ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (فاطر: 10) ،وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى: 11] (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي"
وكذلك قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ )(يس:20)
فاتباع المرسلين هو اتباع للنقل لا للعقل ، (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فالذي يتبع النقل على هداية ، وأما الذي يتبع العقل فإنه إن كان على هداية في جزء فهو على ضلال في أكثر الأجزاء ، ولذلك نقول: لا يمكن أبداً أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح.
(ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ) (محمد:3) فسمى المنقول حقاً ، وسمَّى اتباع العقول والأهواء باطلاً لأنه غير معصوم ، فعدم الرغبة في أن ، تكون تابعاً للنقل يعني أنك لا ترغب في الإسلام ولا ترغب في اتباع النبي وهذا معناه كفر والعياذ بالله ، ونحن نضرب أمثلة لبيان الفرق بين مذهب الباطل ومذهب الحق ، فأهل الكفر تدفعهم المصلحة والأهواء فيظنون بالخطأ العقلي أن المصلحة تكون في كذا وكذا ، في حين أن المصلحة الحقيقية التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى إلينا تتمثل في اتباع الرسل والأنبياء لأن هذا فيه الكمال .
وربنا سبحانه وتعالى مدح من اتبع طريقة الرسل والأنبياء فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ) (مريم:58) ، كل هؤلاء يتبعون المنقول ، لأن آدم نزل كأول رسول جاء بهداية من الله ، وربنا سبحانه وتعالى وضع له شرائعاً وأحكاماً يسير عليها هو وذريته من بعده ، وجاء من بعده نوح وإبراهيم وإسرائيل (يعقوب) وأولاد يعقوب (بنو إسرائيل) ، وممن هدى الله واجتبى من المؤمنين (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) فهم يدركون فيها الحكمة.
ولذلك نقول بأن أجمل شئ في العقيدة أن تُدرك حكمة الله في الأشياء وتؤمن بطلاقة القدرة ، فتشعر بأن الشئ وضعه الله سبحانه وتعالى في موضعه ولحكمة أرادها ، ويوم أن تصل إلى هذا الشعور ستشعر بنور في قلبك تُميِّز به بين أشياء لا يستطيعها غيرك ، وساعتها على الإنسان أن يحمد ربه على هذه النعمة ، فأكبر نعمة يصل إليها الإنسان هي نعمة الإيمان التي يتلمس فيها الحكمة ويفعل الشئ وهو سعيد بفعله ، سعيد بقربه من ربه ، سعيد بلذة الإيمان وهو يسجد لله ، وهذا الإحساس نسأل الحق سبحانه وتعالى أن يديمه علينا وأن يوفقنا إليه وأن نموت عليه .
ثم قال تعالى: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) ، فإذاً لا يُضيع أحد الصلاة بحجة أنها تعوق عن العمل ، بل على الإنسان أن ينظر كيف عبد النبي الله سبحانه وتعالى ، ومكَّن الله تعالى له ومكَّن لأمته ، فالأسباب خلقها الله.
وكذلك فإن حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7) ، فاتباع سبيل الله تعالى هو اتباع النقل ، فيستغفر للمتبعين للنقل حملة العرش والطوَّافون حول العرش .
فإذا أراد الإنسان أن يستشير أحداً لفعل شئ ، فإنه يبحث عمَّن يدله من البشر ، فماذا إن كان الدليل ورد في التنزيل من عند رب العباد على رسول الله ،
من ذلك علمنا أنه من المحال تعارض العقل الصريح مع ثبوت النقل الصحيح ،
وذلك بخلاف مايكون على نصين ظاهرهما التعارض فهنا نطبق عليهما القواعد الحديثية من النظر من الناسخ والمنسوخ والجمع بين النصين وتطبيق قاعدة الاعمال خير من الاهمال،
وعندنا قول ابن خزيمة آتونى بنصين ظاهرهما التعارض وانا أجمع بينهما،
أما ان نعق ناعق بأنه وجد تعارض فلايكون الا لسببين لاثالث لهما هما:
السبب الأول عدم ثبوت النقل
عدم ثبوت النقل الصحيح بمعنى أن الذى يفترى بوجود تعارض جاء بحديث اما ضعيف أو موضوع،
والمرجعية في عدم ثبوت النقل إلى علم الحديث ، وليس إلى العقل ، فلا يقول أحد: إذاً ، أسمع الحديث فأحكم عليه بالصحة أو بالضعف عن طريق العقل.
نقول : لا ، ولكن إذا جاء حديث تعارض مع العقل ، فالواجب أن أتأكد أولاً عن طريق علم الحديث أن هذا الحديث صحيح ، فأرجع إلى قواعد المحدثين ، وهل هو منقول برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة؟
والسبب الثانى عدم فهم النقل
هو من قبيل عدم الفهم للنص ،أوتأويله وصرفه عن ظاهره بغير صارف أو قرائن، وكذلك تحريفه ،
واليك أمثلة على أسباب تعارض العقل مع النقل:
ولو حدث تعارض بين العقل والنقل ، فهذا لسببين اثنين:
عدم ثبوت النقل
عدم فهم العقل للنقل
• السبب الأول في حدوث التعارض بين العقل والنقل أن النقل لم يثبت:
الإنسان بعقله يستطيع أن يُدرك أشياءً يشعر بها أنه يستحيل أن يكون قال مثل هذا الكلام ، ولذلك نقول بأنه من الأهمية بمكان أن يستطيع طالب العلم أن يُميِّز بين الحديث الصحيح والحديث الضعيف ، وتعريف الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.
ولكن قد تجد حديثاً يشتمل على مجازفات شديدة جداً ، ومن أمثلة ذلك:
أولا فى عدم ثبوت النقل الصحيح:
هناك من الأحاديث المنسوبة للنبى صلى الله عليه وسلم وهى من قبيل الضعيفة والموضوعة التى لم ترد عن الرسول ولم تصح عنه فهذه تجد التعارض مع كثير من النصوص لأنها ليست من السنة الصحيحة، وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة التى يستدل بها أهل البدع على بدعهم وينكرون الصحيح الثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم والتى تأتى على بدعهم وتثبت عوار أقوالهم وبطلان معتقدهم قيأتون بالأباطيل والمجازفات لتوافق بدعهم وأهوائهم،
1 – عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : جاء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيها متغير اللون فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم : " مالي أراك متغير اللون ؟ " ، فقال : " يا محمد جئتك في الساعة التي أمر اللَّه بمنافخ النار أن تنفخ فيها ، ولا ينبغي لمن يعلم أن جهنم حق ، وأن النار حق ، وأن عذاب القبر حق ، وأن عذاب اللَّه أكبر أن تقرّ عينه حتى يأمنها " ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم : يا جبريل ؛ صف لي جهنم ؟ قال : نعم ؛ إن اللَّه تعالى لما خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فأجمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة فابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسودت ، فهي سوداء مظلمة لا ينطفئ لهبها ولا جمرها ، والذي بعثك بالحق لو أن مثل خرم إبرة فتح منها لاحترق أهل الدنيا عن آخرهم من حرها ، والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من أثواب أهل النار علق بين السماء والأرض لمات جميع أهل الأرض من نتنها وحرها عن آخرهم لما يجدون من حرها ، والذي بعثك بالحق نبياً لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها اللَّه تعالى في كتابه وضع على جبل لذاب حتى يبلغ الأرض السابعة ، والذي بعثك بالحق نبياً لو أن رجلاً بالمغرب يعذب لاحترق الذي بالمشرق من شدة عذابها ، حرها شديد وقعرها بعيد وحليها حديد وشرابها الحميم والصديد وثيابها مقطعات النيران " لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " [ الحجر : 44 ] من الرجال والنساء ، فقال صلى اللَّه عليه وسلم : " أهي كأبوابنا هذه ؟ " ، قال : " لا ؛ ولكنها مفتوحة بعضها أسفل من بعض من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يساق أعداء اللَّه إليها فإذا انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال والسلاسل فتسلك السلسلة في فمه وتخرج من دبره ، وتغل يده اليسرى إلى عنقه وتدخل يده اليمنى في فؤاده فتنزع من بين كتفيه وتشد بالسلاسل ، ويقرن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ويسحب على وجهه وتضربه الملائكة بمقامع من حديد " كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا " [ الحج : 22 ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم : " من سكان هذه الأبواب ؟ " ، فقال : " أما الباب الأسفل ففيه المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون واسمها الهاوية ، والباب الثاني فيه المشركون واسمه الجحيم ، والباب الثالث فيه الصابئون واسمه سقر ، والباب الرابع فيه إبليس ومن تبعه والمجوس واسمه لظى ، والباب الخامس فيه اليهود واسمه الحطمة ، والباب السادس فيه النصارى واسمه السعير ، ثم أمسك جبريل حياء من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام : " ألا تخبرني من سكان الباب السابع ؟ فقال : " فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم يتوبوا ، فخر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مغشياً عليه ، فوضع جبريل رأسه على حجره حتى أفاق ، فلما أفاق قال : يا جبريل عظمت مصيبتي واشتد حزني أو يدخل أحد من أمتي النار ؟ قال : نعم ؛ أهل الكبائر من أمتك " ، ثم بكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبكى جبريل ، ودخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منزله واحتجب عن الناس ، فكان لا يخرج إلا إلى الصلاة يصلي ويدخل ولا يكلم أحداً ويأخذ في الصلاة ويبكي ويتضرع إلى اللَّه تعالى ، فلما كان اليوم الثالث أقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه حتى وقف بالباب وقال : " السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ، هل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فتنحى باكياً " ، فأقبل عمر رضي اللَّه عنه فوقف بالباب وقال : " السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة هل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فتنحى وهو يبكي " ، فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ، هل إلى مولاي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من سبيل ؟ فلم يجبه أحد فأقبل يبكي مرة ويقع مرة ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة ووقف بالباب ثم قال : السلام عليك يا ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، وكان علي رضي اللَّه عنه غائباً فقال : يا ابنة رسول اللَّه إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا يكلم أحداً ولا يأذن لأحد في الدخول عليه، فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية وأقبلت حتى وقفت على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم سلمت وقالت : يا رسول اللَّه أنا فاطمة ورسول اللَّه ساجد يبكي فرفع رأسه وقال : ما بال قرة عيني فاطمة حجبت عني افتحوا لها الباب ، ففتح لها الباب فدخلت فلما نظرت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بكت بكاءاً شديداً لما رأت من حاله مصفراً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء والحزن، فقالت : يا رسول اللَّه ما الذي نزل عليك ؟ فقال : يا فاطمة جاءني جبريل ووصف لي أبواب جهنم ، وأخبرني أن في أعلى بابها أهل الكبائر من أمتي فذلك الذي أبكاني وأحزنني . قالت : يا رسول اللَّه كيف يدخلونها ؟ قال بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ولا تسود وجوههم ولا تزرق أعينهم ولا يختم على أفواههم ولا يقرنون مع الشياطين ولا يوضع عليهم السلاسل والأغلال . قالت : قلت : يا رسول اللَّه وكيف تقودهم الملائكة ؟ فقال : أما الرجال فباللحى وأما النساء فبالذوائب والنواصي ، فكم من ذي شيبة من أمتي يقبض على لحيته ويقاد إلى النار وهو ينادي واشيبتاه واضعفاه ، فكم من ذي شاب قد قبض على لحيته يساق إلى النار وهو ينادي واشباباه وأحسن صورتاه ، وكم من امرأة من أمتي قد قبض على ناصيتها تقاد إلى النار وهي تنادي وافضيحتاه وأهتك ستراه ، حتى ينتهي بهم إلى مالك فإذا نظر إليهم مالك قال للملائكة : من هؤلاء ؟ فما ورد عليّ من الأشقياء أعجب شأناً من هؤلاء لم تسود وجوههم ولم تزرق أعينهم ولم يختم على أفواههم ولم يقرنوا مع الشياطين ولم توضع السلاسل والأغلال في أعناقهم ، فتقول الملائكة هكذا أمرنا أن نأتيك بهم على هذه الحالة ، فيقول لهم مالك يا معشر الأشقياء من أنتم ؟ " وروي في خبر آخر " أنهم لما قادتهم الملائكة ينادون : " وامحمداه " ، فلما رأوا مالكاً نسوا اسم محمد صلى اللَّه عليه وسلم من هيبته ، فيقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن ممن أنزل علينا القرآن ، ونحن ممن يصوم رمضان ، فيقول مالك : ما نزل القرآن إلا على أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم فإذا سمعوا اسم محمد صاحوا وقالوا : نحن من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم ، فيقول لهم مالك : أما كان لكم في القرآن زاجر عن معاصي اللَّه تعالى ؟ فإذا وقف بهم على شفير جهنم ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا : يا مالك ائذن لنا فنبكي على أنفسنا ، فيأذن لهم فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دموع ، فيبكون الدم ، فيقول مالك : ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا ، فلو كان هذا البكاء في الدنيا من خشية اللَّه ما مستكم النار اليوم ، فيقول مالك للزبانية : ألقوهم ألقوهم في النار ، فإذا ألقوا في النار نادوا بأجمعهم : " لا إله إلا اللَّه فترجع النار عنهم " ، فيقول مالك : يا نار خذيهم ، فتقول : " كيف آخذهم وهم يقولون لا إله إلا الله ؟ " ، فيقول مالك للنار : " خذيهم " ، فتقول : " كيف آخذهم وهم يقولون لا إله إلا الله ؟ ، فيقول مالك : نعم بذلك أمر رب العرش فتأخذهم ، فمنهم من تأخذه إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذه إلى حلقه ، فإذا هوت النار إلى وجهه قال مالك : لا تحرقي وجوههم فطالما سجدوا للرحمن في الدنيا ولا تحرق قلوبهم فطالما عطشوا في شهر رمضان فيبقون ما شاء اللَّه فيها ، ويقولون : يا أرحم الراحمين يا حنان يا منان ، فإذا أنفذ اللَّه تعالى حكمه قال : يا جبريل ما فعل العاصون من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم ، فيقول : اللهم أنت أعلم بهم ، فيقول : انطلق فانظر ما حالهم ، فينطلق جبريل عليه الصلاة والسلام إلى مالك وهو على منبر من نار في وسط جهنم ، فإذا نظر مالك إلى جبريل عليه الصلاة والسلام قام تعظيماً له فيقول : يا جبريل ما أدخلك هذا الموضع ؟ فيقول : ما فعلت بالعصابة العاصية من أمة محمد ؟ فيقول مالك : ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم قد أحرقت أجسامهم وأكلت لحومهم وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلألأ فيها الإيمان ، فيقول جبريل : ارفع الطبق عنهم حتى أنظر إليهم ، قال : فيأمر مالك الخزنة فيرفعون الطبق عنهم ، فإذا نظروا إلى جبريل وإلى حسن خلقه علموا أنه ليس من ملائكة العذاب ، فيقولون : من هذا العبد الذي لم نر أحداً قط أحسن منه ؟ فيقول مالك : هذا جبريل الكريم على ربه الذي كان يأتي محمداً صلى اللَّه عليه وسلم بالوحي ، فإذا سمعوا ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاحوا بأجمعهم وقالوا : يا جبريل أقرئ محمداً صلى اللَّه عليه وسلم منا السلام وأخبره أن معاصينا فرقت بيننا وبينك وأخبره بسوء حالنا ، فينطلق جبريل حتى يقوم بين يدي اللَّه تعالى فيقول اللَّه تعالى : كيف رأيت أمة محمد ؟ فيقول : يا رب ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم ، فيقول : هل سألوك شيئاً ؟ فيقول : يا رب نعم سألوني أن أقرئ نبيهم منهم السلام وأخبره بسوء حالهم ، فيقول اللَّه تعالى : انطلق وأخبره ، فينطلق جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في خيمة من درة بيضاء لها أربعة آلاف باب لكل باب مصراعان من ذهب ، فيقول : يا محمد قد جئتك من عند العصابة العصاة الذين يعذبون من أمتك في النار وهم يقرءونك السلام ويقولون : ما أسوأ حالنا وأضيق مكاننا فيأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى تحت العرش فيخر ساجداً ويثني على اللَّه تعالى ثناء لم يثن عليه أحد مثله ، فيقول اللَّه تعالى : ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيقول : يا رب الأشقياء من أمتي قد أنفذت فيهم حكمك وانتقمت منهم فشفعني فيهم ، فيقول اللَّه تعالى : قد شفعتك فيهم فائت النار فأخرج منها من قال لا إله إلا الله ، فينطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام تعظيماً له فيقول : يا مالك ما حال أمتي الأشقياء ؟ فيقول : ما أسوأ حالهم وأضيق مكانهم ، فيقول محمد صلى اللَّه عليه وسلم : افتح الباب ، وارفع الطبق ، فإذا نظر أهل النار إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاحوا بأجمعهم فيقولون : يا محمد ؛ أحرقت النار جلودنا وأحرقت أكبادنا ، فيخرجهم جميعاً وقد صاروا فحماً قد أكلتهم النار ، فينطلق بهم إلى نهر بباب الجنة يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه فيخرجون منه شباباً جردا مردا مكحلين وكأن وجوههم مثل القمر مكتوب على جباههم الجهنميون عتقاء الرحمن من النار فيدخلون الجنة ، فإذا رأى أهل النار أن المسلمين قد أخرجوا منها قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين وكنا نخرج من النار وهو قوله تعالى : " رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ " [ الحجر : 2 ] .

2- حديث الأعرابي في الطواف " لئن حاسبني لأحسابنه "
" بينما النبي – صلى الله عليه وسلم – في الطواف، إذ سمع أعرابياً يقول: يا كريم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- خلفه: يا كريم، فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب، وقال: يا كريم، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- خلفه: يا كريم، فالتفت الأعرابي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك، ورشاقة قدك لشكوتكم إلى حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، تبسم النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: لا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: فما إيمانك به؟ قال: آمنت بنبوته ولم أره، وصدَّقت برسالته ولم ألقه، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: يا أعرابي اعلم أني نبيك في الدنيا، وشفيعك في الآخرة فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي – صلى الله عليه وسلم–، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: مه يا أخا العرب لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله -سبحانه وتعالى- بعثني لا متكبراً ولا متجبراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، فهبط جبريل على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل للأعرابي، لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير، فقال الأعرابي: أو يحاسبني ربي يا رسول الله،قال: نعم يحاسبك إن شاء، فقال الأعرابي: وعزته وجلاله إن حاسبني لأحاسبنه، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟ قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فبكى النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل –عليه السلام- على النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقال: يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: يا محمد قلل من بكائك ، فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم. قل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه ، فإنه رفيقك في الجنة ".

3- عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزالُ الجهادُ حلواً خضراً ما أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ ، وسينشو نشو من قبلِ المشرقِ يقولون : " لا جهاد ولا رباط أولئك هم وقودُ النارِ بل رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من عتقِ ألفِ رقبةٍ ، ومن صدقةِ أهلِ الأرضِ جميعاً " .
أخرجهُ ابنُ عساكرٍ في " تاريخِ دمشق " (43/347) : أخبرنا أبو الحسن الشافعي ، وأبو الحسن بن دريد قالا : أنا نصر بن إبراهيم زاد الشافعي ، وأبو محمد بن فضيل قالا : أنا أبو الحسن بن عوف ، أنا أبو علي بن منير ، أنا أبو بكر محمد بن خريم ، نا هشام بن عمار ، نا أبي : عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان الظفري ، نا عباد بن كثير ، عن يزيد الرقاشي عن أنس به .


• حديث: "من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائراً ، له سبعون ألف لسان ، ولكل لسان سبون ألف لغة يستغفرون الله له"
فالإنسان عندما يسمع هذا الحديث يشعر بأن هذه مجازفات ، وأغلب من يصنع هذه الأحاديث غلاة الصوفية ، ويقولون: نحن لا نكذب على الرسول ، وإنما نكذب له حتى نحبب الناس في دينه .
نقول : قد تواتر عن النبي أنه قال : "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" ، فالكلام الذي تقولونه إن كان خبراً فيتطلب التصديق ، فتكون عقيدة مبنية على خبر كاذب ، وقد جعلتم هذا الكلام وحياً ، وهو ليس بوحي .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أمثال هذه المجازفات الباردة لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين :
o إما أن يكون في غاية الجهل والحمق .
o وإما أن يكون زنديقاً .
• حديث : "الباذنجان لما أُكل له" .
قد صحَّ عن النبي أنه قال : "ماء زمزم لما شُرب له" ، وماء زمزم فيه خاصية عجز الأطباء عن تحليلها ، والذي يشرب منها يشعر بِشَبَع ورِيٍّ وهي سبب في الشفاء ، فيقول الأطباء: "فيها خصائص عديدة ومعادن عجيبة لا نعلم أصلها " ، وأما الباذنجان فنعمة من نِعم الله ، ولكن لا يجوز أن نقول بأنه لِمَا أُكِل له.
• حديث : "الباذنجان شفاء من كل داء" .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: " قبَّح الله من وضع ذلك ، فإن هذا لو قاله بعض جهلة الأطباء لسخر منه الناس ؟، فكيف يكون كلاماً نبوياً ؟! ، ولو أكل الباذنجان للحمى والبرد وكثير من الأمراض لم يزده الباذنجان إلا شدة في المرض ، ولو أكله فقير ليستغني لم يُفده غِنى ، أو جاهل ليتعلم لم يُفده العلم" .
فهذا تعارض بين العقل والنقل ، والسبب في ذلك عدم ثبوت النقل.
• حديث: "إذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقه" .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولو عطس مئة ألف مرة وهو يروي حديثاً مكذوباً عن رسول الله ما قُبل منه" .
. فهذا أيضاً يُعارض العقل ،والسبب أنه ليس من كلام رسول الله
• حديث:"عليكم بالعَدس،فإنه مبارك يُرقق القلب، ويُكثر الدمع، قُدِّس فيه سبعون نبياً" .
سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث ، وقيل له : إنه يُروى عنك ، قال ابن المبارك: "عني؟؟!! ، ما أرفع شيئاً في العدس ، إنه شهوة اليهود" .
الله سبحانه وتعالى سمَّى العدس أدنى ، قال: (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة: 61) ، وهذا لما قال اليهود لموسى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) فالخير هو المَن والسلوى ، فالقرآن فيه أن العدس أدنى ، فالعدس نعمة من نعم الله ، ولكن ليس هذا الحديث من كلام النبي ويأتي من ينسب هذا الحديث المكذوب إلى النبي .
• حديث: "اشربوا على الطعام تشبعوا ، فإن الشرب على الطعام يفسده ويمنع من استقراره في المعدة ومن كمال نضجه" .
• حديث: "لو كان الأرز رجلاً لكان حليماً ، ما أكله جائع إلا أشبعه" .

• حديث : "لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهباً" .
• حديث: "بئست البقلة الجرجير ، من أكل منها ليلاً بات ونفسه تُنازعه ، كلوها نهاراً وكُفُّوا عنها ليلاً" .
• حديث: "فضل الكرات على سائر البقول كفضل البُر على الحبوب " .
• حديث : "من أكل فولةً بقشرها أخذ الله منه من الداء مثلها" .

• حديث: "لا تسبُّوا الديك فإنه صديقي ، ولو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب" .
فهذه كلها من الأشياء التي تُعارض العقل ، وهي ليست من المنقول.
• حديث: "إذا غضب الله تعالى أنزل الوحي بالفارسية ، وإذا رضي أنزله بالعربية" .
• حديث: "من ولد له مولوداً فسمَّاه محمداً تبركاً كان هو والولد في الجنة" .
• حديث: "ما من مسلم دنا من زوجته وهو ينوي إن حبلت منه يسميه محمداً إلا رزقه الله ولداً ذكرأً" .
• حديث: "إن الناس يوم القيامة يُدعَون بأمهاتهم ، لا بآبائهم" .

والإمام البخاري رحمه الله تعالى بوَّب في صحيحه باب "ما يُدعى الناس يوم القيامة بآبائهم ، وأورد فيه حديث في ذكر يوم القيامة فيه "أين فلان بن فلان" .
فماذا يصنع العاقل إذا سمع خطيباً ، يذكر في مرة حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله : "إن أول ما خلق الله القلم ، قال: وما أكتب؟ ، قال: اكتب كل شئ هو كائن إلى يوم القيامة ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد" ، ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر: "أول ما خلق الله العقل ، فقال له : أقبل ، فأقبل، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أشرف منك" ، ثم ثالثاً فيه : "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" .
لا شك أن العاقل يقف حائراً بين هذه الروايات ، أيُّ الأشياء خلق أولاً ؟ وسيبعث ذلك في نفسه شكاً كما أنه من الخطأ التوفيق بين هذه الروايات قبل البحث عن ثبوتها ، وكان يجب على من نقل هذه الروايات أن يتثبت من صحتها أولاً:
- أما الحديث الأول فثابت صحيح رواه الترمذي وصححه الألباني .
- وأما الحديث الثاني فموضوع باتفاق ، كما ذكر العجلونى في كشف الخفاء ومزيل الإلباس ، وكما ذُكر في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة .
- وأما الحديث الثالث فموضوع رواه عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال: قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء ، قال : يا جابر ، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك ، خلقه من نوره ، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله ، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ، ولا جنة ولا نار، ولا ملك ، ولا سماء ولا أرض ، ولا شمس ولا قمر ، ولا جني ولا إنسي ، فلما أراد أن يخلق الخلق ، قسم ذلك النور أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول القلم ، ومن الثاني اللوح ، ومن الثالث العرش ، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء ، فخلق من الجزء الأول حملة العرش ، ومن الثاني الكرسي ، ومن الثالث باقي الملائكة ، ثم قسم الجزء أربعة أجزاء ، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين ، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
هذه الأحاديث الموضوعة نقلها بعض الناس متوسعين في نقل هذه الروايات وفي النقل عن الإسرائيليات وما شابه ذلك، وأما بالنسبة لنا كدعاة على منهج أهل السنة والجماعة علينا أن نحافظ على سنة رسول الله ، على الأقل لا ننقل إلا الصحيح ، وإلا سيتعارض العقل مع النقل ، وقد يستخدم أحد هذا في الطعن على السنة ، كما حدث ممن أنكر الشفاعة وقال بأنها وساطة ومحسوبية والتي رواها كُتَّاب التاريخ والسير كالبخاري ومسلم .
فأمثال هؤلاء لأنهم لا يفهمون العلاقة بين العقل والنقل يشككون في الثوابت.

ثانيا فى عدم فهم النقل:
في حدوث التعارض بين العقل والنقل أن العقل لم يفهم النقل:
إن قال قائل: قلتم بأن التعارض سببه عدم ثبوت النقل، فماذا لو كانت آيات في القرآن بينها تعارض؟
نقول له: لا ، ليس بينها تعارض ، وإنما العيب في عقلك أنت ، فلا تتعجل ، ولا تُقدِّم عقلك على كتاب الله ، لأن الذي أنزل هذا الكلام قال في شأنهأمثلة على تعارض العقل والنقل Frown لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) (فصلت:42) ، والذي أنزله العليم الحكيم الخبير، ولا يُمكن أن يُنزل كلاماً إلى البشر يتعارض مع عقولهم ، فالمصدر واحد ، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل.

• يقول قائل: هل يصح أن تقول بأن الله سبحانه وتعالى على العرش بمقتضى قوله : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) ، وفي السماء بمقتضى قوله: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) (الملك:16) ، وفي الآفاق وفي كل مكان بمقتضى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )(الحديد:4) ؟
نقول: هذا ليس بتعارض ، ولذلك جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه الثلاثة في آية واحدة ، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (الحديد:4) ، فمعنى في السماء أنه على العرش ، فبعد السماء السابعة الماء ، وبعد الماء العرش، وفوق العرش رب العالمين ، والله من فوق عرشه يسمع السرَّ وأخفى في سائر خلقه ، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ، فالله فوق عرشه ، وهو في السماء وهو معنا أينما كنَّا ، ولكن الإشكال في أنهم يتخيلون الله على أنه شخص ، وبسبب هذا التشبيه الذي يأتي إلى أذهانهم ينكرون النصوص.
وانظر إلى كلام أبي الحسن الأشعري -الذي تُنسب إليه طائفة الأشعرية- في كتاب الإبانة: "فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ ، قيل له: إن الله يستوي على عرشه استواءً يليق به" ، فلم يقل رحمه الله : "استولى" ، بل قال استوى بأن من يقولون بأن استوى تعني "استولى" جهمية وحرورية ومعتزلة .
وقال رحمه الله : "فالسماوات فوق العرش ، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) لأنه مستوٍ على العرش الذي فوق السماوات ، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات".
فأعلى سماء فوقنا العرش ، وفوق السماء السابعة ماء ، وفوق الماء العرش ، والله فوق العرش .
فإن قال قائل: ما شكل العرش؟
نقول: لا نعلم ،فحتى نعلم بذلك يلزم أمران ، إما أن نراه بأعيننا ، وهذا لم يحدث ، وقد قال النبي : "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت" .
فالشئ لا يُعرف إلا برؤيته أو ، قال برؤية مثيله ، ولا يوجد مثيل لعرش الله سبحانه وتعالى ، ولا يوجد مثيل لله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى:11) ، فهناك كيفية يعلمها الله سبحانه وتعالى ، أما نحن فلا نعلم الكيفية ، ولكن نؤمن بها ، فهناك كيفية لاستواء الله جل جلاله يعلمها هو ولا نعلمها نحن.
ثم قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: " وليس إذا قال : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ، ألا ترى أن الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ) (نوح:16) ، ولم يُرد أن القمر يملأهن جميعا وأنه فيهن جميعاً ، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض"
فهذا مثال للتعارض بين العقل والنقل سببه أن العقل لم يفهم النقل ، فإذا حدث هذا ، على الإنسان أن ينسب الخطأ إلى نفسه ويُقدِّس كلام الله ولا يتجرأ عليه ، ويسأل أهل العلم ، فهو بذلك قد اتقى الله بأن ردَّ العيب إلى نفسه ونزَّه كلام ربه، والله تعالى قال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ) (البقرة:282) ، فيفهم في هذه الحالة ما أُشكل عليه ، وأما لو تجرأ وقدَّم عقله على كتاب ربه فلن يفهم وسيزداد في الضلالة ، كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً ) (مريم:75) .
• ومثال ذلك أيضاً تشكيك بعض أتباع المستشرقين من الإسلاميين أساتذة الجامعات وشيوخ الفضائيات في حديث الذباب الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا وقعَ الذبابُ في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء" .
فأخذوا يطعنون في هذا الحديث ويقولون: "إن العقل لا يقبل هذا" ، حتى أثبت الطب الحديث أن هذا حق فصدقوا بهذا الحديث.
نقول: طالما أنه وحي ثابت بمنهج أهل الحديث فهو حديث صحيح والذي فيه حق ، وكون العلم يعجز عن اكتشاف ذلك ، فالعيب في عقل الإنسان ، وليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث من معجزات النبي الطبية التي يجب أن يسجلها له تاريخ الطب بأحرف ذهبية ، فالذباب عليه بكتيريا في أحد جناحيه ، ومضادات هذه البكتريا تتكون في الجناح الآخر ، ونحن نعلم أنه إذا أصاب البدن فيروسات فإن أفضل علاج له هو المضادات التي يفرزها الجسم لمقاومة هذه الفيروسات ، وهذا هو أنجع علاج وإلا ينتشر المرض ، فالذباب نفسه يفرز مادة مضادة قاتلة للبكتيريا الموجودة فيه ، فمن الذي علَّم النبي هذا الكلام؟! فهذا وحي نزل من السماء. وهذا الذباب نعمة من الله تعالى ، فهو مقياس لعامل النظافة ، فإذا وقع عدد قليل من الذباب على جسم الإنسان فإنها تنقل ميكروبات خفيفة ، وعندما تصل هذه الميكروبات إلى الجسم يقوم بعمل حماية تلقائية ، فتتعرف كرات الدم البيضاء على الميكروبات ، حتى إذا هجم ميكروب بهذه النوعية بعد ذلك ، يكون الجسم مستعداً له ، فهذا تطعيم تلقائي من قِبَل الحق ، فانظر إلى الحكمة ، فالله سبحانه وتعالى يحمي الإنسان بمثل هذه الأشياء ، وأما إن هجم الذباب على الإنسان فتكاثرت الميكروبات عليه حتى غلبت كرات الدم البيضاء ، حينئذ يُصاب الإنسان بالمرض ، وفي هذه الحالة يكون الإنسان هو المتسبب في هذا لأنه لم يحرص على النظافة.
فالله سبحانه وتعالى لا يفعل فعلاً إلا وهو خير يعود عليك ، وقال نبينا: "والشر ليس إليك" .
• ابن رشد الفيلسوف صاحب كتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " كان يقول : هنا أدلة الشرع متعارضة ، ونقدم العقل على النقل فيها.
ومن أمثلة ذلك : قوله سبحانه وتعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) (النساء:78) ، فالحسنة والسيئة من عند الله على عكس كلام المنافقين، وفي الآية التي بعدها يقول تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (النساء:79) ، فلماذا أنكر عليهم أولاً؟، فهل السيئة من عند الله أم من عند العبد إذا خالف؟ ، يقول: هذا تعارض ، فنقدم العقل على النقل.
نقول: لا يوجد أي تعارض على الإطلاق لأن هناك حسنة وسيئة بالمعنى الكوني، وحسنة وسيئة بالمعنى الشرعي، الحسنة والسيئة التي بالمعنى الكوني أن الله يخلق الشر والخير ، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (الأنبياء:35)، فهزيمة الإنسان في المعركة هي سيئة بالنسبة له ، ولكنها يمكن أن تكون خيراً ،قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (البقرة:216) ، فالنعمة أو النقمة ابتلاء من الله ، وهذا على اعتبار المعنى الكوني في ابتلاء العباد.
وأما على المعنى الشرعي ، فإن خالف أحد الشرع فهو المسئول لوقوعه في العصيان ، ولذلك يقول تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ) أي ما أصابك من توفيق إلى طاعة فمن الله ، ولذلك فإن موافقة العبد للإرادة الشرعية موافقة أيضاً للإرادة الكونية ،