مسألة هامة في التوحيد– هي محلُّ خلاف بين أهل العلم– وهي : هل الشرك الأصغر لا يُغفر إلا بالتوبة كالأكبر أم هو مثل الكبائر تحت المشيئة الإلهية ؟

هناك من العلماء من قال: إن الشرك الأصغر لا يغفر لصاحبه إلا بالتوبة لعموم الآية ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)) (النساء: من الآية48) لكن يدخل تحت الموازنة بخلاف الأكبر الذي يحبط كل الأعمال، فإن حصل معه حسنات راجحة على ذنوبه دخل الجنة وإلا دخل النار. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يميل إلى ذلك حيث يقول مثلاً : " وأعظم الذنوب عند الله الشرك به ، وهو سبحانه لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، و الشرك منه جليلٌ ودقيقٌ وخفيٌ وجليٌ "، ويقول بعبارة أصرح من السابقة : " وقد يقال : الشرك لا يغفر منه شيء لا أكبر ولا أصغر على مقتضى القرآن ، وإن كان صاحب الشرك ( الأصغر ) يموت مسلماً ، لكن شركه لا يغفر له ؛ بل يعاقب عليه ، وإن دخل بعد ذلك الجنة ".

لكن يفهم من عبارات ابن القيم أن الشرك الأصغر تحت المشيئة ، حيث يقول رحمه الله : " فأما نجاسة الشرك ففي نوعان : نجاسة مغلظة ، ونجاسة مخففة ، فالمغلظة الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا ، فإن الله يغفر أن يشرك به ، والمخففة الشرك الأصغر كيسير الرياء " ومرة يقول : " الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه " إلى أن يقول : " وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للمخلوق ".

وقد ذكر العلامة السعدي كلاماً مهماً في هذه المسألة ، أنقل بعضه : " من لحظ إلى عموم الآية ( يعني قوله تعالى (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )) وأنه لم يخص شركاً دون شرك ، أدخل فيها الشرك الأصغر ، وقال : إنه لا يغفر ؛ بل لا بد أن يعذب صاحيه ، لأن من لم يغفر له لا بد أن يعاقب ، ولكن القائلين بهذا لا يحكمون بكفره ، ولا بخلوده في النار ، وإنما يقولون يعذب عذاباً بقدر شركه ، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة .

وأما من قال: إن الشرك الأصغر لا يدخل في الشرك المذكور في هذه الآية ، وإنما هو تحت المشيئة ، فإنهم يحتجون بقوله تعالى : (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ )) (المائدة: من الآية72) فيقولون : كما أنه بإجماع الأئمة أن الشرك الأصغر لا يدخل في تلك الآية ، وكذلك لا يدخل في قوله تعالى : (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) (الزمر: من الآية65)
لأن العمل هنا مفرد مضاف ، ويشمل الأعمال كلها ، ولا يحبط الأعمال الصالحة كلَّها إلا الشرك الأكبر .

ويؤيد قولهم أن الموازنة واقعة بين الحسنات والسيئات التي هي دون الشرك ، لأن الشرك الأكبر لا موازنة بينه وبين غيره فإنه لا يبقى معه عمل ينفع.