السؤال:
ورد عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- ألا تدعو الله لنا؟ فجلس مغضبا محمرا وجهه فقال: "إن من كان قبلكم ليسأل الكلمة فما يعطيها فيوضع عليه المنشار فيشق باثنين ما يصرفه ذاك عن دينه".
وقال عطاء بن أبي رباح: قال لي ابن عباس: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك" فقالت: أصبر" .. الحديث.
كما ذكر القرطبي في تفسيره أن نبي الله أيوب عليه السلام لبث في البلاء سبع سنين لم يدع الله شيئا.

وسؤالي: هل من الصبر ترك الدعاء.



الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقول –والله أعلم- الذي يظهر من مجموع هذه الأدلة أن الإنسان مخير؛ فإن شاء دعا أن يكشف الله ضره كما فعل أيوب عليه السلام، قال الله عنه: "وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" [الأنبياء:83].
وإن شاء صبر رجاء ما ينال من الأجر على الصبر، كما أرشد الرسول –عليه الصلاة والسلام- تلك المرأة التي كانت تُصرع فخيّرها بين أن يدعو لها وأن تصبر.
وقد يقال: إن المرأة إنما أرشدها الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى الصبر؛ لأنها طلبت منه الدعاء ولم ينهها عن أن تدعو لنفسها، ففرق بين أن يدعو الإنسان لنفسه، أو يطلب من غيره الدعاء، كما دل حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب انظر صحيح البخاري (5752)، وصحيح مسلم (220). على أن ترك الاسترقاء، وهو: من طلب الدعاء من الغير أن ذلك أولى، ولعل هذا الوجه الأخير عندي أقرب؛ لأن الله –سبحانه وتعالى- أثنى على أنبيائه أيوب، وذي النون، وزكريا، وغيرهم أثنى عليهم بدعائه –سبحانه وتعالى-، والذي يظهر لي أن الدعاء لكشف الضر والبلاء لا عن جزع، بل طلباً للعافية، ولما يرجو العبد حال الشفاء من القيام بالمهام الشرعية كما كان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا، ويمشى لك إلى الصلاة". أخرجه أحمد (6312)، وأبو داود (3107).
والمرض والضر يعوق الإنسان عن كثير من الأعمال الصالحة، بل الأظهر عندي أنه ينبغي أن يدعو ربه ويسأله الشفاء والعافية كما في الحديث "اللهم أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة" ولا يطلب الدعاء من غيره، ويقصد بدعاء الشفاء والعافية أن يستعين بذلك على طاعة الله من صلاة وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي يحول دونها المرض، هذا وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وما ذكر في الدعاء خبر الحسن عن حال أيوب هو من الأخبار الإسرائيلية التي لا يعول عليها في إثبات الأحكام.


المجيب فضيلة الشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك -حفظه الله-
موقع الإسلام اليوم.