تقوى الله ... في السر والعلن
المراقبة المباشرة للعمل هي عنصر من العناصر المهمة في الإدارة الناجحة والتي يحتاجها كل عمل يراد له التفوق , فإن الشركات الكبرى التي تقوم بتنفيذ المشاريع الحيوية تحتاج إلى دقة وإتقان في العمل و التنفيذ ولن تتمكن من تنفيذ ما توده من مشاريع إلا برقابة صارمة من قبل مهندسين مخلصين لتلك الشركة وإلا سيئول المشروع إلى الفشل وستخسر الشركة سمعتها , ومن ثم ستزول الثقة بين الممول للمشاريع والمنفذ للعمل بسبب سوء التنفيذ والذي كان نتيجة من نتائج عدم المراقبة .
إن هذا الكون الفسيح الذي خلقه الله بدقة متناهية ينبأ عن عظمة الخالق , فأينما تدير بصرك في هذا الكون الفسيح فسترى وستستمتع ببديع صنع الله في إتقان هذا الوجود الكبير المترامي الأطراف , وما نحن فيه إلا ذرة على صخرة تسبح في فلك من أفلاك المجرات العظيمة , وتجاور هذه المجرة بحر من المجرات الهائلة والتي تسبح تحت سقف السماء , فهل هذا كله وضع بدون مراقبة وبدون متابعة ؟ , وهل يسير الكون بنفسه بدون رقيب ولا حسيب ؟ الجواب ... كلا , قال تعالى (أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ) الأعراف(185) أي تأمل في كل شيء خلقه الله من خلق السموات والأرض إلى غيرها من مخلوقات فسترى فيها العجب , وقال تعالى في أية أخرى ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) فاطر (41) , فكل ما خلقه الله تحت قبضته وتحت بصره ومراقبته من أجل أن لا يهلك هذا الوجود و يزول , فلا قدرة لأحد على حفظ هذا الكون الفسيح إلا الله الواحد القهار .
إن الله جعل الإنسان يختار لنفسه وأرشده إلى طريق الجنة ورغبه في ذلك وأعطاه العقل ليتابع عمله الصالح بنفسه وليجتهد فيما يقدمه ويراقب تصرفاته لئلا يقع في ما حذره الله منه , فتكون المراقبة في أثر العمل بعد تحقيق النية من أجل أن لا يضيع عمله فلا يصرف منه شيئا لغير الله بل يخلص عمله لله كما يحبه الله ويرضاه , فيصير العمل صالحا نقيا بسبب مراقبته للعمل وبسبب استشعار مراقبة الله له فأصبح العبد بذلك حسيبا قيما على نفسه , ففي الحديث عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح , فتقوى الله هي الرقيب في قلب كل مؤمن ومن لا تقوى عنده فلا وازع ينهاه عن المنكر وسترى من أفعاله العجائب , فهناك من الناس من يظهر الإيمان ولكنه في الحقيقة ينتهك محارم الله إذا خلى بها فتراه يجتهد في البعد عن كل من يعرفه ليخلوا له الجو ليستبيح المحرمات , و يسافر ويقطع الفيافي والبحار لينزوي في مجتمعات نائية كثيرة الفساد من أجل أن لا يراقبه أحد ولا ينقل خبره أحد , ثم يفعل كل ما تشتهيه نفسه من منكرات ويتجاهل ربه الذي لا تخفى عليه خافية , قال تعالى (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) البقرة (77) , فأين تختبئ يا عبدالله بذنوبك التي تقترفها فهل هناك أرض لا يطلع الله عليها ؟ وهل هناك كوكب خارج عن نظر الله ؟ وهل هناك مكان لا تصل إليه الملائكة وهم شهود الله على الناس , قال تعالى (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) يونس(61) .
فمن وقع في ما حرم الله بسبب قلة الإيمان وضعف الرقابة الذاتية فعليه التوبة والاستغفار وعليه أن يعمل عملا صالحا ليبدلها مكان تلك السيئة , " وأتبع السيئة الحسنة تمحها " , فمن كان مداوما على الزنا فعليه خلع نفسه من ذلك الذنب و التوبة والاستغفار ثم المبادرة إلى الزواج إذا لم يكن قد تزوج وإن كان متزوجا فعليه الإحسان لتلك الزوجة التي طالما ظلمها وأن يكرس محبته لها بكل إخلاص لعل الله أن يوفقه لتعويض ذلك الخلل فتعود الألفة بينهما ويبارك الله في أسرته , وعليه أن يسعى في تزويج الشباب والتوفيق بينهما والتحذير من الزنى , ومن كان مدمنا على المخدرات ثم تاب فعليه أن يتبع التوبة عملا صالحا فيجتهد في تنبيه الناس عن مخاطر المخدرات ومخاطر الصحبة السيئة ويقوم بعمل ندوات أو يلقي كلمات تحذيرية عن مخاطر المخدرات , وهكذا في كل عمل سيئ كان يمارسه في الماضي فعليه أن يختار عملا صالحا يعاكس به المعصية لنفع الناس ويداوم عليه حتى يكون تكفيره لتلك الخطايا بعمل يعود نفعه للمجتمع ويساعد على تخفيف المعاصي .
ومن الأعمال الصالحة ملاطفة الآخرين ولين الكلام بتقديم الكلمة الطيبة وحبس اللسان عن بذيء الألفاظ وحسن الظن بهم بدلا من إساءة الظن فهذا وغيره من أعمال بسيطة يعد من حسن الخلق ففي الحديث" وخالق الناس بخلق حسن " فمجتمعاتنا محتاجة إلى الكثير من حسن الخلق في تعاملاتنا مع بعضنا البعض وخاصة مع أقاربنا ففي الحديث " وخالق الناس بخلق حسن " , فإن أثر الخلق الحسن يظهر جليا على من عاشرتهم فهم يأنسون بك ويحترمونك ويقدرون تعاملك ويجعلونك قدوة لهم , أما الإنسان الفظ الغليظ صاحب الخلق السيئ فالناس تنفر من عشرته وتتجنب الاحتكاك به , فعليك يا أخي المسلم الاتصاف بالأخلاق الحسنه وخاصة مع أهل بيتك من زوجة وأبناء وأجعل لوالديك الحظ الأوفر من تلك الأخلاق الحسنه فهما أولى بك و أشد تعلقا بك في الدنيا والآخرة , أسأل الله أن يوفقنا لحسن الخلق وأن نكون من المتقين ... والحمد لله رب العالمين .
| |
الموضوعالأصلي : تقوى الله ... في السر و العلن المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: