تحريم الظلم
إن الظلم هو صورة من صور الشر التي أتصف الإنسان بها عندما يكون معرضا عن ربه متبعا للشيطان والهوى تاركا للحق , يقول الله تعالى (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) ابراهيم (34) , وقد يصل به الحال بأن يظلم نفسه قال تعالى (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ) الكهف (35) , فلا غرابة من انتشار الظلم بشكل واسع في كل مكان وخاصة بين الكفار الذين يجعلون الظلم لهم منهج حياة لأنهم لا يتقيدون بشرع ولا يتحاكمون للحق بل يطبقون كل ما تمليه عليهم مصالحهم الدنيوية وأهوائهم النفسية وشهواتهم الحيوانية , حتى لو كان الظلم يتسبب في الكثير من الكوارث العالمية كإزهاق حياة الآخرين وإتلاف ممتلكاتهم وسلب أموالهم , فكم من الشعوب حوربت وقصفت وذهب الملايين من الناس في تلك الحروب المهلكة والشعوب المسلمة جزء من تلك الشعوب , والبعض الآخر تحكم الكفار على رقابهم عقود طويلة وهم لا يملكون ذرة من رحمة بل يوصي بعضهم بعضا بالقسوة في التعامل مع المسلمين يقول اه ر تعالى ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) الذاريات(53).
إن الظلم صفة سيئة يبغض الله لنفسه أن يتصف بها ويبغضها لعباده وجاء ذكر ذلك في الحديث الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر لكم ذنوبكم جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم : أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . رواه مسلم .
إن الناس أجمع لن يستطيعوا العيش بسلام وطمأنينة على هذه الأرض حتى يتركوا الظلم ويحرموه بينهم ولن يترك الناس الظلم حتى يعرفوا العدل الذي هو معاكس له في كل شيء ولن يعرف الناس العدل حتى يعرفوا الحق وهو الإسلام ولن يطبق أحد العدل حتى يؤمن بالإسلام ويدخل فيه فإذا دخل فيه واستقام على أوامره أستسلم وانقاد لله في أحواله كلها فأقام العدل على نفسه وفيمن حوله , وبذلك ينصف المؤمن الناس من نفسه ويكون عادلا مع الناس أجمعين فحقق بذلك العدل بينه وبين الناس طلبا لمرضاة الله , وإذا فعل كل مسلم ذلك وتخلق بعدالة الإسلام عاش الناس بسلام فيما بينهم وتفرغوا لعمارة الأرض بشرع الله وعبدوا الله بطمأنينة واندحر الشيطان يقول الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ) المائدة(66) , أي لو فعل ذلك أتباع كل شريعة في وقته والقرآن هو شريعة وقتنا لوجدوا الخير كل الخير في ذلك , وقال تعالى في أية أخرى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف (96) , فسبب جلب الأمن والسلام وتحقيق العدالة هو الإيمان والامتثال لأوامر الله وسبب المصائب والحروب والكوارث هو الكفر بالله وهو الظلم بعينه ومن أشده أن تشرك بالله وتجعل له أنداد قال تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) لقمان(13) .
إن الأرض ملئت ظلما وجورا بسبب تسلط الكافر على الأرض فهو يعيث في الأرض فسادا لشدة تحكمه في حياة الناس فهو يتسلط بظلمه في البر والبحر والجو , وهو يريد الأرض أن تكون مملكة كاملة للشيطان يقيم عليها سلطانه الظالم ويبث فيها جنده , ويحل كل ما حرم الله فيبيح على أرضها الخمور والزنى واللواط والربا وينهب الشعوب بكثرة الحروب ويهددهم بالقتل والتشريد ويسلط عليهم أوليائه الكفرة يذيقون الناس أشد العذاب وينشر بينهم كل عقيدة فاسدة ومنها الشرك بالله , بل يؤيد ويؤازر من يميل إلى الشرك على من يميل إلى صفاء العقيدة عقيدة التوحيد الخالص ويجعلونهم فوق الذين أمنوا لكي يسومونهم سوء العذاب , وهكذا هم وراء دعم كل ظالم يحكم المسلمين حيث يؤيدونه بالمال والمشورة وأحيانا بالتدخل المباشر حتى لا ينهزم الباطل ولا يزول , ولا علاج لذلك كله إلا بالعودة الصادقة لدين الله وإخلاص العقيدة الصحيحة لله وتوحيد الصفوف بين المسلمين الموحدين والعمل على نشر الإسلام ومحاربة الظالمين ومن يظاهرونهم من الكفار في كل مكان .
إن الأرض تأن من تسلط الكفار على العالم وكيف أن سيطرتهم أطبقت في كل مكان بل بينهم تعاون عجيب لكسر كل من يحاول أن يفلت من قبضتهم ولم تتنفس الشعوب الإسلامية اليوم إلا قليلا من بعد كبت شديد وذلك بعد أن تحطمت إمبراطوريات الكفر في الشرق وعلى رأسها (روسيا) وإمبراطوريات الكفر في الغرب وعلى رأسها( بريطانيا ) وأمريكا على وشك السقوط , ولكن مع ذلك ما زال بقايا عملاء الغرب يحكمون بلاد المسلمين كما علمهم سادتهم كيف يقمعون تلك الشعوب , ولكن الله خفف على عباده من ذلك الظلم المسيطر فأهلك بعضهم والباقي قريبا إلى زوال , فلو كان الله سبحانه وتعالى يرتضي الظلم لما أسقط عروش الظالمين ولتركهم يستمرون بالعبث والفساد في الأرض , ولكنه سبحانه وتعالى رءوف بالعباد , وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أمسكه لم يفلته .
على المسلم أن يبدأ بنفسه ليتفقد حاله في كل شيء فمن كان عنده في ذمته مظلمة لأخيه فليرد عليه مظلمته إن كان ذلك مالا أو عقارا أو ميراثا أو غيره , فإن المحشر مكان قصاص ومحاسبة ولا ثمة مال ولا عقار إنما هي الحسنات والسيئات يقتصون بينهم , فسيضيع عليك كل عمل صالح من صلاة و صيام وغيره في يوم الحساب إن كنت مدين , أي إذا بقي في ذمتك حق من حقوق الناس ولم تتخلص منه في الدنيا فستكون مرهونا به لصاحب الحق حتى تتم المقاصة وستذهب أعمالك الصالحة لسداد ذلك الحق , ومن أعان على ظلم الناس فهو شريك له في الإثم , وهكذا في كل ظلم فسيقتص من حسناتك وإن فنيت حسناتك فستحمل من سيئاته ثم تطرح في النار , فالحذر من ظلم الناس والسير في هذا الطريق , بل حتى البسطاء من الناس مثل الخدم والسائقين فلا يحل لك أكل مرتباتهم ولا تحميلهم مالا يطيقون , فاتق الله في كل شيء لعلك تسلم من تبعات الظلم , فإن تهاون الناس في الظلم عمهم الله بعذاب أليم في الدنيا قبل الآخرة , فما زلنا نسمع بالشركات تأكل مرتبات العمال لشهور عدة ويغادرون البلاد من دون قبض حقوقهم بعدما ملوا من المطالبة الطويلة وهذا من الظلم ففي الحديث ( مطل الغني ظلم ) , أي أن يماطل الغني بأجرة العمال وأرزاقهم , نسأل الله أن يجنبنا الظلم وأهله وأن لا يعرضنا لدعوة مظلوم فليس بينها وبين الله حجاب وأن يرزقنا التوبة ...والحمد لله رب العالمين .
| |
الموضوعالأصلي : تحريم الظلم المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: