طرق الخير ... كثيرة
إن الشباب الصالح الذي أنطلق متجها نحو الاستقامة على الأعمال الصالحة يتسأل كثيرا ما هو الاختيار الأفضل بين الأعمال الصالحة ؟ من حيث التقرب إلى الله , فمثلا يتسأل هل كفالة اليتيم أحسن من المشاركة في بناء المساجد ؟ أم كفالة داعية خير من كفالة محفظ للقرآن ؟ وهل مثلا وضع برادة في مسجد أفضل من وضعها على الطريق ؟ , وغير ذلك من مفاضلات بين العمل الصالح , وتلك الأسئلة وغيرها تدل على حرصه لبلوغ المراتب العالية في الأجر وحب البذل والمنافسة على أحسن الأعمال , فنقول لهذا الباحث الصالح أنه ذكر في الحديث عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل " قال : وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته , روا مسلم . فأنت بالخيار أن تلزم نفسك العمل الذي تحب والذي تميل إليه لتداوم عليه وإن كان بسيطا أو قليلا كمثل أربع ركعات بعد العشاء في المنزل قبل الوتر أو قراءة حزب من القرآن تجعله وردا لك كل يوم وغيره من أعمال صالحة .
أما فيما يخص أخوانك المسلمين فالأعمال التي يمكنك تقديمها كثيرة ومتنوعة وعليك أن تقدم ما تستطيعه من عمل صالح , فكل عمل صالح اجتهدت في تقديمه وأخلصت فيه النية ولو كان بسيطا هو عند الله خير وأبقى , والعبرة بحاجة من حولك بما تقدم , فمثلا لو كان هناك اكتفاء في بناء المساجد في بعض القرى ولكن الناس بحاجة إلى حفر بئرا لحاجاتهم اليومية فالإنفاق في حفر بئر أعظم أجرا من بناء المساجد لما فيه من تسهيل على المسلمين ليشربوا منه ويتوضؤا ويقضوا سائر حاجاتهم , فحاجة المسلمين هي التي ترفع ذلك العمل الصالح وتقدمه على غيره من أعمال , كمثل الذي فعله الصحابي الجليل عثمان ابن عفان رضي الله عنه عندما اشترى بئر رومة من اليهودي الذي كان يبيع الماء على المسلمين فجعله بعد ذلك سبيلا للمسلمين وخلصهم من جشع ذلك اليهودي فكان تقديم ذلك العمل أحوج للمسلمين من غيره .
إن كل عمل صالح تقوم به أو تشارك أخوانك في عمله يعد من التعاون في البر والتقوى يقول الله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة (2) , وقد تكون الأعمال بسيطة وعمل فردي يقوم به الواحد وهو في خلوة مع نفسه , كمثل الأذكار أو نوافل الصلوات أو الصدقة على الأقارب المحتاجين فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله ، والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها" رواه مسلم .
فإذا أشتغل المؤمن بعمل صالح وجعل ذلك العمل خالصا لوجه الله الكريم كان ذلك العمل في ميزانه وكلما زاد في العمل وأخلص فيه أزداد قربا من الله وكلما أزداد تقربا أزداد عند الله محبة ورفعة , ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى قال : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ، ولا بد له منه " رواه البخاري , وهذا الحديث يبين لنا كيف أن الذي يتقرب إلى الله ويكثر من العمل الصالح يصبح من أولياء الله الصالحين حتى إذا بلغ تلك المنزلة فإنه دخل في حمى الله ومن عاداه فإن الله يحارب عنه ويذب عنه عدوه , فلم يبلغ هذا الولي تلك المنزلة إلا بالعمل الصالح وبكثرة التقرب إلى الله بمختلف الأعمال وأحبها إليه .
إن المحافظة على الطهارة في البدن من العمل الصالح الذي يحبه لله يقول الله تعالى )إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) البقرة (222) , بحيث أن تجدد وضوئك كلما انتقض لتبقى محافظا على الطهارة حتى لو لم تكن بحضرة صلاة , فإن كنت قائما فأنت طاهر وإن كنت جالسا فأنت طاهر وإن كنت تسير فأنت طاهر وفي أحوالك كلها أنت على طهارة , فهذا العمل يرفع من الإيمان ويضاعف من الأجر حتى يبلغ الأجر مناصفة بين العمل وبين الطهارة فكل عمل تعمله وأنت على طهارة يكون الثواب نصفه بسبب الطهارة والنصف الأخر بسبب فعلك ذلك العمل " الطهور شطر الإيمان " أي أن الطهارة تضاعف أجر العمل , وهذا مما يرفع منزلة الطهارة في ميزان العمل الصالح فتسبيحك وأنت على طهارة يختلف فيه الثواب وأنت على غير طهارة , مع أن الشرع لا يوجب عليك الطهارة في الأذكار وفي أحوالك العادية بل بعض العلماء لا يوجب الوضوء حتى لقراءة القرآن ويكتفي بالطهارة من الحدث الأكبر مثل الجنابة والحيض والنفاس .
أما الصلاة فهي حياة المسلم فمن تهاون فيها فقد ضيع دينه " الصلاة نور " أي أنها تنير القلب وتبهج النفس وتشرح الصدر وتزيد الإيمان , ومن تركها فلا حظ له في الإسلام , فعن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " . حديث صحيح في المستدرك , فلا يحل لمسلم أن يتهاون في ركن الإسلام العظيم فهو نور يسطع في القلب إذا حافظ عليها المؤمن خمس مرات ومن زاد بالنوافل زاد نوره في قلبه ومن ضيعها عاش في ظلام دامس وتحجر قلبه وانتكس .
إن الصدقة من الأعمال التي ذكرت في الحديث " والصدقة برهان " أي أنها دليل على صدق إيمان المؤمن بحيث يقتطع شيء من ماله المحبب إلى نفسه ليواسي به أهل الحاجة من الفقراء والمساكين , وذلك الفعل هو تعبير صادق للأخوة الإيمانية وتخلص من شح النفس وحب المال المسيطر على النفس , أما الصبر فقد عبر عنه الحديث أن " الصبر ضياء " أي أنه بارقة انفراج للأزمة فمن لزم الصبر جاءه الفرج وكان كالضياء يلوح في الأفق يبشر بزوال ظلمة الكربة وضيقها فعليه التمسك بالصبر حتى يظهر الفجر الصادق لذلك الأمل وكل ذلك يعد من العمل الصالح.
أما القرآن فتعلمه وتعليمه كله خير ولكن أحكامه شرع يجب التمسك بأوامره وأتباع نهجه " والقرآن حجة لك أو عليك " أي أن معرفتك بأحكام الكتاب العزيز هو حجة لك تحاجج بها المعاندين والمكابرين فتقمعهم بكلام الله وتتلوا عليهم آيات الله وتدمغ باطلهم وتقودهم للحق إذا أرادوا , وإن كنت من المبطلين أصحاب الهوى كان القرآن حجة عليك بحيث أنك ممن يقرأه ويحيد عن تطبيق شرعه ويتخذه ظهريا , وهؤلاء أكثرهم ممن يعمل على ضرب القرآن بعضه ببعض ليفتن الناس ليدعي أنه متضارب وأنه ليس كله من عند الله .
الناس بين فريقين إما أن يشتري نفسه لمرضاة الله ويؤمن إيمانا صحيحا صادقا ليكون من أهل الجنة أو أنه يوبق نفسه ويهلكها بترك الإيمان وهذا هو الخسران المبين , أسأل الله أن نكون ممن أشترى مرضاة الله وأمن إيمانا صادقا يرجوا به الله واليوم الأخر وأن نكون ممن كرس حياته لخدمة هذا الدين ... والحمد لله رب العالمين .
| |
الموضوعالأصلي : طرق الخير ... كثيرة المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: