البر ... حسن الخلق
إن أعمال الخير على كثرتها وتنوع أشكالها تصب في مسمى البر وهو أسم جامع لكل عمل صالح , والذي يقابله ويعاكسه في الاتجاه هو الإثم كمثل الحسنة و السيئة , ولذلك جاء في الحديث عن النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس " , رواه مسلم , وهنا في هذا الحديث ذكر نوع واحد من العمل الصالح وهو التخلق بالأخلاق الحسنة وسيق هذا المثل في الحديث عن البر لبيان نموذج واحد متميز للعمل الصالح , وإلا فإن أبواب البر كثيرة جدا , وكذلك أنواع الإثم فإنها كثيرة ومتنوعة وعليها نصوص من الكتاب والسنة في تحريمها وذم فاعلها , ولكن المراد بالإثم في هذا الحديث هو ما خفي حكمه مما ليس فيه نص صريح من كتاب أو سنة ومما لا يقدر على قياسه قياسا جليا ومما يستجد من أمور في حياة الناس ويحتار الواحد في تصنيفه هل هو من الحلال أم من الحرام , فيلجأ أحيانا المستفتي في تلك المسألة إلى سؤال من قد يجد لديه جوابا تطمئن له النفس وتسلم به الذمة , فعن وابصة بن معبد قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر والإثم ؟ قلت : نعم ، قال : استفت قلبك ، البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس ، وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك . وفي حديث أخر عن أبي أمامة ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، ما الإثم ؟ قال : إذا حاك في صدرك شيء فدعه " , وهذا إسناد جيد على شرط مسلم , ولو ضربنا مثال واحد فيما جد من مسائل اختلف فيها أهل العلم بين من يحلها ومن يحرمها وهي تشقير الحواجب ثم رسمها حتى تبدوا كأنها متنمصة , فقد طال فيها الجدل والنقاش وهذا مثال واحد على المسائل المختلف فيها.
أما البر فقد ذكر في مواضع من القرآن ومنها قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة (2) , والمعنى الثاني من معاني البر : أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة ، كقوله تعالى) ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) البقرة (177) ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان ، فتلا هذه الآية , وقال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير الحديث قال : ما رآه المؤمنون حسنا ، فهو عند الله حسن ، وما رآه المومنون قبيحا ، فهو عند الله قبيح , وهنا يتبين أن المقصود من قول ابن مسعود أن الذي يراه المؤمنون أهل الصلاح وتميل إليه قلوبهم وليس عوام الناس ضعيفي الإيمان أو أهل المعاصي والكبائر , وبما تستنكره أصحاب الفطر السليمة من أهل الإيمان وتشعر به قلوبهم النقية من خير أو شر فلها أن تأخذ به , وعن مسلم بن مشكم قال : سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول : قلت : يا رسول الله ، أخبرني ما يحل لي وما يحرم علي ، فقال : البر ما سكنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ، ولا يطمئن إليه القلب ، وإن أفتاك المفتون ، وهذا أيضا إسناد جيد ، وخرجه البخاري ، ومسلم .
أما حسن الخلق فهي صفة عظيمة أمتدح فيها ربنا عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم (4) وفي الصحيحين والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول إن من خياركم أحسنكم أخلاقا " , فحسن الخلق يرفع صاحبه في الجنة لكثرة تبسطه للناس وحسن معاشرته لهم والصبر على أذاهم وترك تناول الكلام البذيء و الألفاظ السيئة وكف الأذى عن الناس وغيره من محاسن الخلاق , ولا يداوم على هذه الأخلاق إلا من كان في قلبه تقوى ومن كان يحب الله ورسوله , ونبينا في هذا الأمر كان سيدا وإماما في الأخلاق الحسنة وشهد له القاصي والداني وأحبابه من أصحابه وحتى أعدائه في كل زمن , وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذي " , قال الترمذي حديث حسن صحيح وزاد في رواية له " وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة " , وكذلك أخرج الترمذي وصححه البيهقي في الزهد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ، فقال تقوى الله وحسن الخلق . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج ".
إن الخلق الحسن صفة جميلة يتزين بها المؤمن ويستعملها أثناء معاشرة الناس ويكون ذلك بالتلطف معهم وأول الناس أحق بذلك هم أهله وقرابته ثم جيرانه , وكم من الناس من لا يحسن الدعوة إلى الله بالخطب والمحاضرات ولا يملك كثرة العلم ولكنه يملك أخلاق حسنة يتأثر بها الكثيرين وأسلموا بسبب ذلك , فعليك أخي المسلم التأسي بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم والمحافظة على الأخلاق الحسنة فإنها تنافس مرتبة الصائم القائم , أسأل الله أن يجعلنا من أصحاب الأخلاق الحسنة وأن يجعلنا من المتقين .... والحمد لله رب العالمين .
| |
الموضوعالأصلي : البر ... حسن الخلق المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: