على كل مفصل صدقة
إن الله سبحانه وتعالى شمل الإنسان في تكوينه بنعم عظيمة ظاهرة و باطنة بحيث لا تعد ولا تحصى قال تعالى ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل (18) , ومن عجائب صنع الله في تكوين الإنسان أن جعل له ثلاث مائة وستون مفصلا تربط بين سائر العظام و تشد أعضائه شدا , روى الألباني في صحيح الجامع بسند صحيح عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال , قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " في الإنسان ستون و ثلاثمائة مفصل ، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة : النخاعة في المسجد تدفنها ، و الشيء تنحيه عن الطريق ، فإن لم تقدر ، فركعتا الضحى تجزى عنك " .
وهذه المفاصل موزعة على سائر جسده لتسهل عليه الحركة والجري والدوران والانحناء والقفز وغيره من حركات تجعله أكثر مرونة واستقامة على قدميه بحيث يقف قائما منتصبا على أحسن صورة خلقه الله عليها لا يشابهه في ذلك أحد من المخلوقات قال تعالى ( لقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) التين (4) , فبهذا التقويم الجميل الذي تفضل الله به عليه يستطيع أن يركع ويسجد ويجاهد في سبيل الله وأن يعمل ويعمر الأرض بالخير ويقضي شئون حياته , وفي الحديث الذي خرجه البزار من رواية أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : للإنسان ثلاثمائة وستون عظما ، أو ستة وثلاثون سلامى ، عليه في كل يوم صدقة " قالوا : فمن لم يجد ؟ قال : "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر " قالوا : فمن لم يستطع ؟ قال : " يرفع عظما عن الطريق " قالوا : فمن لم يستطع ؟ قال : " فليعن ضعيفا " قالوا : فمن لم يستطع ذلك ؟ قال : فليدع الناس من شره .
إن العظام في جسد الإنسان أصناف مختلفة فمنها ما يكون بينها وبين العظم الأخر مفصل أي بين العظمين المتقابلين مفصل غضروفي كفقرات الظهر وكعظام الفخذ والساق وغيرها , وهذه العظام المنتهية بمفصل غضروفي تسمى سلامى لأنها سالمة النهاية غير متصلة اتصالا ثابتا بعظم أخر ويقابلها سلامى أخر من عظم أخر ليكون بينهما مفصل غضروفي يسهل الحركة وأكبر مفاصل الإنسان هي مفاصل الركبة بين الفخذ والساق , فهذه المفاصل من النعم العظيمة التي تستحق من العبد أن يشكر مولاه عليها , فجعل الله على كل مفصل منها صدقة يؤديها المسلم , فإذا سعى في الخير عند استعمالها في الحركة , فإن الله جعل تلك الحركة بمثابة صدقة عن تلك المفاصل التي أنعم الله بها عليك , فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس : تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته ، فتحمله عليها ، أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة . رواه البخاري ومسلم , وخرج مسلم أيضا من رواية أبي الأسود الديلمي عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" , فإن عجزت أن تسعى في الخير وأبواب الخير كثيرة لا حصر لها فلا يفوتك أن تأتي بركعتين من الضحى فإن ذلك يكفيك في صدقتك على عظامك , ووقتها من حين ترتفع الشمس في المشرق ارتفاعا كثيرا ( بعد الإشراق بربع ساعة ) ويمتد ذلك الوقت إلى قبل زوال الشمس (أذان الظهر ) بربع ساعة , وأفضل الوقت قبل زوال الشمس بساعتين حين ترمض الفصال ( أي حين تشتد حرارة الأرض من الشمس ).
إن خلق الإنسان في التكوين يمر بمراحل ومنها تشكل العظام قال تعالى (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون(14) , وهذه العظام تزيد الجسد صلابة ولو كان الجسد من غير عظم لما أستطاع أن يحمل نفسه ويستقيم ولصار من الزواحف على الأرض ولكن الله أكرمه وزينه وأحسن خلقه من أجل أن يشكر ولا يكفر ويعمل صالحا ولا يفجر , والعجب أن ترى بعض الناس يعيش في لهو طويل تضييعا لهذه النعمة فتراهم يلعبون ألعابا ملهية مثل كرة القدم وغيرها من ألعاب خشنة يحطمون بها تلك المفاصل ويهشمون تلك العظام التي خلقها الله لهم من أجل عبادته ومن أجل السعي في كل خير يعود عليهم بالنفع ومع ذلك هم لا يؤدون شكرها بل سخروها في غير ما خلقت له .
وكم نرى من مصابين بكسور في الرقبة والركب والظهر وغيرها من إصابات بليغة منشأها تلك الألعاب الخطيرة , فإذا سأله الله عز وجل يوم الحساب عن سبب امتناعه عن السجود أو الركوع في الدنيا كما ينبغي , فبماذا سيعتذر وماذا عساه أن يقول ؟ وهل يحل له أن يضيع صحته في لهو باطل ؟ إن هذا الجسد أمانة عند كل إنسان وعليه أن يؤدي الأمانة لصاحبها فلا يتلف منه شيء متعمدا بلهو أو فساد وإلا سيحاسبه الله على ذلك فأنت مخلوق موجود على الأرض من أجل عبادة الله , قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات (56) , فهذا هو الأصل لوجود الإنسان فليس له العبث واللعب بما يهلك النفس أو يضعفها , قال تعالى )لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما النساء (114) , والله سبحانه وتعالى يتقبل من عباده كل عمل صالح بل حتى من أصحاب الكبائر فإن اهى يتقبل منهم عملهم الصالح كالإحسان للفقراء ومساعدة الضعفاء ونصرة المظلومين وإطعام الحيوان وغيره وفي الحديث " أن بغيا سقت كلبا يلهث من العطش ، فغفر لها " , فيجب على المسلم السعي في هذه الدنيا لما ينفعه في الآخرة ولا يقنط من روح الله ولا يحقر من المعروف شيء , أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل منا ومن أخواننا المسلمين كل عمل صالح ... والحمد لله رب العالمين .
| |
الموضوعالأصلي : على كل مفصل صدقة المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: