كنتُ أجلس أمام التلفاز في ردهة منزلي وأنا أشعر بمللٍ قاتل ، أخذتُ أُقَلِّب القنوات بواسطة الجهاز الذي في يدي ولا جديد ، هذا المطرب ( أو من يفترض أن يكون كذلك ) يتنطط كسعدان أصابته لوثة عقلية ..
كليك! قناة أخرى ، الحلقة المائتين بعد الألف من المسلسل المدبلج! لا بد أن ابن المخرج يكمل المسلسل احتراماً لذكرى والده الراحل ، كليك! مطربة حفلات زفاف مشهورة تجري حواراً وتعتقد أنها ( الستّ ! ) ، كليك .. كليك .. كليك .. لا شيء .. شقب! أقفلت الجهاز قبل أن أصاب بحموضة ..
ثمة صوت ينبعث بإصرار من إحدى السيارات أسفل البناية ، ذهبتُ أستطلع الأمر ( والفاضي يعمل قاضي ) كما يقولون ، خرجت إلى الشرفة ، لا بد أنه ينتظر أحداً ما من سكان بنايتنا ، من هو يا ترى ؟! إنني أجد في الفضول متعة لا بأس بها ، لذلك سأمكث في الشرفة حتى أعرف من هو الرجل المنتظر ..
وما زال صوت المنبه ينبعث ، والرجل الذي في السيارة بدأ يصاب بالسأم ، هذا واضح من حركة أصابعه التي تنقر مقود السيارة بانتظام .. ويزداد إصراره على المنبه ، وبعض الجيران يخرجون إلى الشرفات ، بعضهم مثلي يستطلعون الأمر بفضول ، والبعض الآخر أخذ يتبرم ، ورجل عجوز مكفهر الوجه يصيح : ( أيقظتني من أحلى نومة يا ............ ! ) ، ترى من يكون هذا الرجل الذي ينتظره ( صاحبنا ) ؟!
لا بد أن سبعة أحياء مجاورة علمت بالأمر وهو هنا في البناية ولم يعلم بعد؟! هل يكون نائماً ؟ ولم يستيقظ بعد كل هذا ؟! مستحيل ! إن إصرار الرجل في السيارة على المنبه يعطي انطباعاً بأن هناك موعداً مضروباً بينهما ، هل ترك المنزل ونسي الموعد؟ ربما .. إن الدنيا بها الكثير من الحمقى !!
وكفَّ الرجل عن استخدام المنبه ولكنه بدا عصبياً ، صحيح أنني لا أرى وجهه ، ولكن أصابعه التي تنقر المقود ازدادت سرعة وعصبية ، ثم أخرج شيئاً ما من جيبه ، إنه هاتف محمول ! ياله من بخيل ! لماذا لم يستعمله من البداية بدلاً من إزعاج السكان بهذه الطريقة ؟؟ والآن سينزل الرجل حتماً لو كان بالمنزل ، لن تفوتني هذه اللحظات الحاسمة ، فلقد وصل فضولي للذروة .. أوه ! دائماً في الأوقات غير المناسبة ! إن جرس الهاتف يرن ، قد يفوتني الفصل الأخير من المسرحية ، ولكني سأنهي المكالمة بسرعة كائناً من كان هذا المتصل ، وهرولتُ نحو ( التلفون ) ... ( آلو .. من المتحدث؟ )
- أين أنت يا رجل ؟!
- ياله من سؤال! لقد اتصلت بالمنزل وأجبتك فأنا لستُ في طوكيو بالطبع !!
- لو كنتَ في طوكيو كما تقول لعذرتك ، ولكنك في المنزل ولم تسمع الصوت الذي أيقظ أموات المدينة كلهم عدا واحداً .. تعرفه بالطبع ! ما بك هل نسيت الموعد ؟!!
- هل تعني ...... ؟؟ ولكن السيارة .....
- سيارة أخي يا رجل ، ألم تقل لي بالأمس لا تصعد فقط استعمل المنبه لمرة واحدة وسأنزل على الفور ؟!
فأجبته والعرق يغمرني وأذناي محمرتان من الخجل :
- بسيطة لم يحدث شيء ، سأنزل على الفور ..
- طوووووووووووووط !
وقلت لنفسي وأنا أتجه لغرفتي لأبدل ملابسي :
نعم لم يحدث شيء .. سوى أن عدد الحمقى ازداد واحداً فقط !! .......
| |
الموضوعالأصلي : الموعد .. " قصة قصيرة " المصدر : منتـديات الشـارف الكاتب: